مقارنة في الرابية بين مرحلتين و”جنرالين”
عون لا يربط الرئاسة بـ«تطورات على الأرض»
في اليوم نفسه الذي كان الرئيس سعد الحريري يكرّر فيه دعوته الى الشروع فورا في إطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية، عمّم ميشال عون ما يشبه ورقة النعي للانتخابات الرئاسية «هناك تفاهم عليها، لكن ظروفها غير مؤاتية».
اعتراف «الجنرال» العلني للمرّة الأولى بعدم جدوى تكرار الدعوات لجلسات رئاسية محرومة من مناخات التوافق الداخلي والاقليمي عليها، قابله نشاط مسيحي زائد بالمشاركة في تركيب بازل التمديد الثاني لمجلس النواب.
على المقلب الآخر كان رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» يرصد تداعيات ما بعد معركة الأسواق وباب التبانة في السياسة والرئاسة.
بدا المشهد مختلفا تماما عن ذاك الذي أفرزته معركة «عرسال1» التي وضعت قيادة الجيش في قفص الاتهام بالتقصير والانصياع للتسوية. كان يمكن لـ«الجنرال» بنفسه أن يرصد حجم الرضى النسبي، شعبيا وسياسيا، على أداء الجيش في جولة القتال الأخيرة والذي لم يتأمّن لمعركة 2 آب، على الرغم من تشظّي الإنجاز الميداني بلغز الفرار الدائم والمتوقّع للرؤوس الارهابية.
حتى ميشال عون بنفسه أقرّ بما كان لا يزال ضمن إطار الشكوك لدى حلفائه «الأزمة في طرابلس انتهت»، مع إشارته الى بقاء بعض الخلايا النائمة في الجوار.
سريعا وظّف البعض تحسّن أداء القيادة على الأرض والحسم المشوب بسرّ تواري المطلوبين الكبار، في سوق الرئاسة. هل ارتفعت أسهم العماد جان قهوجي مجدّدا بعدما أحرقتها غزوة عرسال؟
كان لافتا جدا، وقبل يوم واحد من اندلاع الاشتباكات في طرابلس التي امتدّت الى المنية، رفع الوزير جبران باسيل لهجته عاليا بوجه العماد قهوجي خلافا لتعميم داخلي في «التيار الوطني» كان نبّه العونيين قبل أسابيع من عدم تناول قائد الجيش بالإعلام بشكل مسيء.
باسيل لم ينسَ طبعا ان من وقّع قرار التمديد لقائد الجيش العام الماضي هو الحليف الوزير السابق فايز غصن، لكنه كان عليه التذكير بأن وضعه غير قانوني وغير شرعي وبأنه «أتى بخيار منّا ولا نقبل به رئيسا توافقيا»، محمّلا إياه مسؤولية ما وصلت اليه الامور في طرابلس وعرسال.
في الميزان العوني، وخلافا لما أوحى البعض، لا شيء تغيّر بين معركتَي البقاع والشمال. الموقف من ترشيح جان قهوجي هو نفسه، لا بل أكثر تشدّدا.
في اجتماع «تكتل التغيير» يوم الثلاثاء الماضي لم تقمِ القيامة ضد قائد الجيش كما حصل عقب «عرسال1». طرحت الوقائع الميدانية كما هي، من دون تعزيز فرضية الشبهات بحصول صفقات تحت الطاولة. ثمّة تسليم تام، برأي مقرّبين من عون، بأن دخول الجيش الى طرابلس والتبانة إنجاز بحدّ ذاته، لكنه تأخّر ثلاث سنوات.
وثمّة توجّس عوني من عدم توافر ضمانات بعدم اشتعال محور الشمال مجددا، مع تخوّف من استثمار البعض لما حصل في طرابلس لتعويم اسم قهوجي رئاسيا، والكثير من التساؤلات حول لغز فرار شادي المولوي واسامة منصور والشيخ خالد حبلص.
لا يعني تعويم قهوجي شيئا في قاموس ميشال عون؛ وفيما تؤكّد المعلومات ان التواصل لا يزال مقطوعا كلّيا بين الرجلَين، فإن المقرّبين من عون يصفون كل كلام يزكّي خيار قائد الجيش ربطا بالتطوّرات على الأرض بأنه في إطار «طقّ الحنك وتضييع الوقت».
يقول هؤلاء: «لكي نتحدّث عن الخيارات الرئاسية البديلة يجب ان نكون قد انتقلنا من المربع الأول الى المربع الثاني، لكننا اليوم لا نزال في قلب المربع الاول!». وفي الرابية أيضا حسمٌ من نوع آخر «لا لتكرار تجربة ميشال سليمان».
عندما طَوَى ميشال عون صفحة المنفى عام 2005 كان يدشّن أولى صفحات الرئاسة. المعطيات الاقليمية، برأيه يومها، كانت متوافرة لدعم هذا الخيار، ووكالة الـ70% المسيحية فرضته رقماً صعباً، راهن أمام الكثيرين أنه من الصعب على أطراف الداخل والخارج تجاوزها.
لكن فراغ ما بعد اميل لحود عزّز ورقة «جنرال التسوية» على «جنرال التغيير». وكان على العماد عون أن يقف في تشرين الثاني من العام 2007، بعد يومين من تبنّي فريق «14 آذار» لاسم ميشال سليمان، ليعلن انه لا مانع لديه من ترشيح قائد الجيش بعد تذليل الصعوبات الدستورية.
يومها امتدح عون سليمان مؤكّداً انه كان من ضمن الاسماء الواردة في مبادرته الانقاذية التي طرحها في 23 تشرين الثاني قبل يوم من نهاية ولاية الرئيس لحود، والتي قامت على أساس تخلّي عون عن ترشيحه للرئاسة وتسميته بنفسه الرئيس المقبل، على أن تنتهي ولايته بعد عامين مع حلول موعد الانتخابات النيابية.
تجيير كرسيّ الرئاسة لسليمان لم يأتِ، برأي العونيين، على خلفية الضغوط الإقليمية والدولية أو ذهنية الاستسلام. فقبل انتهاء ولاية لحود طلب عون من النائب وليد خوري، ابن عمشيت، زيارة نواب الأكثرية في فندق «فينيسيا» لطرح اسم سليمان للرئاسة. وقتذاك كان الجواب هو الرفض المطلق للمرشح العسكري ولتعديل الدستور.
عمليا، قوطب عون على رهان الأكثرية بدقّ الأسفين في العلاقة بين «الجنرالين». اجتاز المطبّ الأول والتكملة كانت في الدوحة عبر مقايضة الموافقة على سليمان «بقانون الستين».
صار «المرشح» ميشال سليمان يتردّد الى الرابية. وفي اللقاءات المعدودة على أصابع اليد الواحدة في منزل «الجنرال» أبلغ عون قائد الجيش بأنه سيمشي به في الرئاسة.
وربط ذلك بسؤالين: «هل بإمكانك أن تكفل قيام حكومة وحدة وطنية حقيقية وقانون انتخابي عادل يعيد للمسيحيين حقوقهم؟». جواب المرشح العسكري كان حاضرًا: «الرئيس ليس لديه صلاحيات وهو خاضع لمعادلة الأقلية والأكثرية».
ردّ عون: «دعني اتابع مسيرة استرداد حقوق المسيحيين». مذّاك صار زعيم التكتل المسيحي الأكبر ينادي سليمان «بالرئيس» في كل مرة يتحدّث عنه…
لا يتخيّل ميشال عون ان سيناريو من هذا النوع قد يتكرّر مع جان قهوجي. لا الظروف هي نفسها، ولا القناعات، ولا سجل التعايش مع سليمان يسمح بتكرار التجربة. والأهم، ان لا أحد قادرا على «تشليح» ورقة الرئاسة من يدّ عون، أكان بصفته مرشّحا أم صانع رؤساء.
لائحة المآخذ تطول على قائد الجيش الحالي، وليس أقلّها قناعة عون بأن قهوجي لا يحمل جينات الرئيس القوي، طالما أنه يتوقّع منه جوابا مماثلا لذاك الذي سمعه من سليمان!