لم يكن فشل مجلس الوزراء في بت ملف التصدير الزراعي بسبب رفض وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل البحث في أي أمر، أياً تكن أهميته، قبل بت مسألة تعيين قائد جديد للجيش، ووقوف وزيري “حزب الله” إلى جانبه، إلا الدليل القاطع على نيّة “التيار الوطني الحر” الجدية التصعيد حتى النهاية، حتى لو كان ثمن ذلك تعطيل السلطة التنفيذية.
لم يجد وزراء في رفض باسيل درس مسألة دعم التصدير الزراعي التي طرحها وزير الزراعة أكرم شهيب من خارج جدول الاعمال ما يبرره. حتى إن بعضهم ذهب أبعد في إستغرابه لموقف وزير الصناعة حسين الحاج حسن الوقوف الى جانب باسيل، وهو كان وزيرا سابقا للزراعة، ويعي، كما الحزب الذي يمثله، أهمية هذا الموضوع لدى جمهوره.
أحد الوزراء يرى أن الحاج حسن كان محرجاً في موقفه، لافتاً إلى أنه “مع الزراعة في القلب ولكن في السياسة، مع عون”، في إشارة الى زعيم “التيار الوطني الحر” النائب ميشال عون.
ولكن كيف يبرّر هؤلاء الوزراء السقف العالي لـ”التيار” في الجلسة والتصعيد الذي يهدد الحكومة بالتعطيل؟
لا يأتي الموقف التصعيدي لعون من موقع قوة، كما يعتقد هؤلاء، بل من خلفية توتر عالية جداً ترتبط برهانات خاضها “التيار”، وثبت عقمها.
ولا يستبعد هؤلاء أن تكون مرتبطة بنتائج زيارة رئيس الحكومة تمام سلام للمملكة العربية السعودية حيث تلقى جرعة دعم قوية لحكومته، فيما، بإستثناء الصورة الموزعة لباسيل على دراجة الرئيس سعد الحريري البرتقالية اللون، لم يرشح أي شيء عن لقاءات مثمرة لباسيل مع زعيم “المستقبل”، (علماً انه على الضفة السعودية، كان لباسيل لقاءات جيدة عكست مناخا متعاوناً).
وكان يُعتقد أن باسيل قد يحمل من الحريري ما يبلور موقف “التيار” من مسألة التعيينات العسكرية وإمكان تعيين قائد جديد للجيش هو مرشح عون لهذا المنصب العميد شامل روكز، مقابل تعيين رئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان مديرا عاما لقوى الامن الداخلي.
لكن مسار جلسة مجلس الوزراء لم يش بمثل هذا المناخ، وهو كان معروفا من الوزراء قبل دخولهم الجلسة. وبدلاً من تأجيل تسريح اللواء بصبوص لمدة 3 أشهر تمهيدا لإنجاز سلة التعيينات العسكرية المتكاملة في أيلول كما يطالب عون، جاءت ردة فعل “المستقبل” بإصدار وزير الداخلية نهاد المشنوق قراراً بتمديد التسريح لسنتين، وهي ردة فعل أعقبت دفاع المشنوق عن صلاحيات رئيس الحكومة في وضع جدول الاعمال بعد تهديد باسيل برفض وضع اي جدول ودرسه قبل إنجاز التعيينات.
وهذا يعني في قراءة الوزراء أنفسهم، الآتي:
– أن مقايضة روكز بعثمان قد سقطت ولم يعد ممكنا لـ”التيار الوطني الحر” التسلح بها لإيصال مرشحه إلى قيادة الجيش.
– أن حظوظ روكز في الوصول إلى رأس المؤسسة العسكرية قد تضاءلت بعدما وضع ترشيحه في وجه تعطيل الحكومة وتعطيل صلاحيات رئيسها.
– التمسك ببند تعيين قائد للجيش قبل 4 أشهر من إنتهاء ولايته، سيشل الحكومة التي ستتحول حكماً إلى تصريف الاعمال، وإجتماعاتها – إذا حصلت – ستقتصر على نقاشات غير مجدية، لكنها لن تصل إلى حد الاستقالة.
– ستكون الحكومة أمام إختبار جديد وتحدٍ لتماسكها في كل جلسة يعقدها مجلس الوزراء. وفي هذا المجال، ثمة بين الوزراء من يعتقد أن رئيس الحكومة قد يتجه، في ضوء الجلسة المقبلة التي قررها مجلس الوزراء، إلى الامتناع عن الدعوة إلى جلسات جديدة قبل التفاهم على مسألة التعيينات. وهو كان سبق أن خاض تجربة مماثلة وخرج منها بنجاح.
– لكن في المقابل، ثمة من يعتقد أن سلام، كما بدا من أدائه في الجلسة الأخيرة، ليس في وارد التصعيد راهناً، وهو سيلاقي رئيس المجلس نبيه بري في موقفه بإعتبار أن الاثنين اصبحا أمام المأزق عينه، مع فارق أن تعطيل التشريع لا يشبه تعطيل السلطة التنفيذية في ظل استحقاقات داهمة مالية واقتصادية وسياسية.