قليل من الخيال: فلقد صمّت آذان اللبنانيين بخطاب الجنرال ميشال عون الذي يعطّل جهاراً إتمام الاستحقاق الرئاسي بذريعة أنه ضدّ الإتيان برئيس ضعيف التمثيل المسيحي يكون دمية في الحياة السياسية. طبعاً نحن لا نوافق عون على نظريته، وإنما ندعوه الى التفكير في قلب الأمور استناداً الى النظرية نفسها، ومواجهة رفض نصف لبنان له رئيساً على أساس انتمائه الى المحور الإيراني، وبالتالي فإن وصوله الى سدة الرئاسة يمثل استفزازا كبيرا لنصف اللبنانيين على الاقل. ومن هنا فهو لن يكون في رأينا مؤهلاً لجمع اللبنانيين، فضلاً عن شخصيته الصدامية، وخطابه السياسي المتوتر الذي يخلف اللبنانيين بدل أن يجمع بينهم. ندعوه على أساس تمسكه بنظرية المسيحي القوي – هذا إذا كان ضنيناً بقوة التمثيل المسيحي ومتمسكاً بنظرية الرئيس القوي، الى ان يقلب الآية بقوة حواره المستجد مع حزب “القوات اللبنانية” وان يتبنى ترشيح رئيسها سمير جعجع بهدف كشف نيات “المسلمين آكلي حقوق المسيحيين”، فهو بخطوته هذه يجمع الفريق المسيحي خلف ترشيح موحد، ويكون أدى خدمة اولا للموقع المسيحي، وثانيا للوحدة المسيحية التي طال انتظارها. أما “حزب الله” فيصعب عليه الوقوف ضد اجماع مسيحي. فلماذا لا يفكر في قلب الأمور إذا كان مرتاحاً الى نتائج حواره مع جعجع؟
طبعاً هذا سيناريو من محض الخيال، ولا نظن عون يفكر لحظة واحدة في تبني ترشيح غيره، أكان “العدو الودود” جعجع، أم غيره غير المعلنين رسميا مثل الرئيس الجميل. عون لا يريد رئيساً غير عون، ولا يريد قائداً للجيش غير صهره العميد شامل روكز، ومن هنا تبقى الأمور واقفة عند نقطة الصفر. وكما قال النائب سامي الجميل نحن أمام حلّين إما رئيس توافقي، وإما لا رئيس وشغور مديد. لكنني كنت تمنيت على الجميل باعتباره ركناً من قوى ١٤ آذار ان يتريث في الطرح، فلا يضرب ترشيح جعجع مجاناً، علما بأن الأخير سبق أن قال إنه يسحب ترشيحه أمام مرشح تسوية!
بالعودة الى الحلول التي يتم تداولها في موضوع الترقيات في المؤسسة العسكرية، والتي نلمس فيها كثيراً من الصبيانية السياسية، بل أسوأ من ذلك، نلمس إذعاناً أمام ابتزاز الجنرال ميشال عون الذي يخوض معركة إيصال صهره روكز الى قيادة الجيش من دون إقامة أي اعتبار لعشرات الضباط الذين يتقدمون على الأخير في الأحقية. ونحن نقول لمبتدعي “التوليفات” في التعيينات، ولا سيما الوسطيين، إن القضية لا تتعلق بكفاءة العميد المذكور بمقدار ما تتعلق برفضنا إيصال ضابط مهما علا شأنه الى قيادة الجيش، يكون جزءاً من تركيبة سياسية تنتمي الى محور اقليمي يمتد من طهران الى حارة حريك.
بصراحة إن وصول عون الى سدة الرئاسة هو انقلاب واعلان حرب في البلد، ووصول مرشحه، بصرف النظر عن حسناته، هو إدخال للجيش في انقسام عميق يدمره. إننا ندعو عون الى تحكيم مصلحة لبنان والمسيحيين والبحث عن تسويات منطقية.