Site icon IMLebanon

انتخاب عون رئيساً يحفظ الطائف

اضحت البلاد حتى حينه، امام مسارين يتوزعان مصيرها بدرجة متفاوتة، الأول وهو الحراك المدني الذي يعكس «وجع الناس» ورفضهم للفساد المستشري في اذهان ونفوس عدد من السياسيين وكذلك في معظم مؤسسات وادارات الدولة، بحيث بات الحراك المدني الذي يعبر عن وجدان الشعب اللبناني مصدر قلق لطبقة سياسية متناقضة في الطروحات والمواقف فيما بينها ولكنها مجمعة على استراتيجية السرقة والفساد، ولذلك تتكاتف فيما بينها وتتعاضد للحفاظ على مصالحها ضد التحرك الوجداني الاصلاحي للفريق المدني القلق على مصير البلاد و«العباد» في حال بقاء هذا النهج وعدم ردعه اقله في حال لا يمكن اطاحته..

والمسار الثاني هو الذي يرفض حراك الأول ويقابله الأخير برفض ادائه، لكن هذا المسار السياسي هو الذي سيشهد تصعيداً مع الأيام المقبلة، على خلفية عدم ايجاد حل لأزمة ترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، اذ ان رئىس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون، سيرفع من وتيرة مواقفه عدا عن المضي في قراره بتعطيل الحكومة طالما لم يحصل التفاهم على ترقية روكز الى رتبة لواء.

ولن يعمد عون لتعطيل الحكومة ومجلس النواب، انطلاقاً من رغبة «انتقامية» لديه، هادفاً بذلك تدفيع القوى السياسية المتهمة بسير عمل المجلس النيابي والحكومة ثمن عدم انجاز التسوية، التي وقفت امام معوقات قانونية، بل للعماد عون وفق المحيطين به، قناعة بأن تعليق العمل الحكومي ـ المجلسي، يأتي بالنسبة اليه في خضم حساباته الرئاسية التي تجعله حالياً اقرب لدخول قصر بعبدا رئىساً للجمهورية من أي مرحلة سابقة.

ويستند «فائض الامل» لدى الزعيم المسيحي، انطلاقاً من عاملين مترابطين، احدهما داخلي وثانيهما اقليمي ـ دولي وفق السيناريو التالي:

ـ ان الجانب الداخلي من حسابات عون تقضي بعدم الافراج عن التعطيل الحكومي ـ المجلسي بحيث يتلاحم هذا الواقع مع دخول البلاد مرحلة ازمة النظام المتمثل في صيغة الطائف، بما من شأنه وقتها ان يدفع برافضي انتخابه من فريق 14 اذار للعدول عن رأيهم من اجل الحفاظ على هذه التركيبة، لا سيما ان شعرة معاوية لم تنقطع بعد بين عون وبين رئيس تيار المستقبل الرئىس سعد الحريري، رغم الخلاف السياسي والسجال الاعلامي العنيف بين الجانبين، وان رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل عبّر عن هذا الواقع الخفي علناً في مقابلة مع الاعلامي الزميل مارسيل غانم، في وقت ان «النوايا» الموقعة بين التيار الوطني الحر وبين القوات اللبنانية قد شكلت ورقة لصالح عون، بحيث لن يكون رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع قطع الطريق على وصول عون الى بعبدا، بعد «تنقية القلوب بينهما» وتحول الصراع بينهما الى سياسي بامتياز.

والى ذلك، فان جعجع يتابع المحيطون بعون، حصر المواصفات الرئاسية المطلوبة للمرشح القوي، بين عون وبينه وبات من الصعب التراجع عن هذه المواصفات نحو رئيس توافقي يشبه «بروفيل» الرئيس السابق ميشال سليمان، في وقت اعلن رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي كان رشح النائب هنري حلو، لعدم الزامه بأي من عون وجعجع، اعلن قبوله بانتخاب عون رئيساً للجمهورية.

– والجانب الاقليمي – الدولي يكمل الجانب الداخلي بحيث ان مضي البلاد في الفراغ والحاجة الملحة الى رئيس للجمهورية، وفق المحيطين بعون، بات لا يحتمل ومطلوب حسمه، لكن في ظل استمرار عون في ترشحه ودوران البلاد في حلقة الهلاك المفرغة، فان التدخل الخارجي ولا سيما الاوروبي – الاميركي لانقاذ لبنان من هذه الواقعة، سيأخذ بعين الواقع التوازنات الجديدة التي فرضها قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدخوله الحرب في سوريا الى جانب الرئيس بشار الاسد وضد المنظمات الارهابية.

اذ ان الصمت العربي – الغربي وان كان يراهن على انزلاق بوتين في الرمال المتحركة السورية، يحمل في الوقت ذاته اقراراً بواقع جديد سيتكامل من اجل انتخاب عون رئيساً للجمهورية، والا بقاء الفراغ بتداعياته على كل البلاد. اذ في ضوء الحضور الروسي ونتائجه لن يتراجع هذا المحور عن حقه في ايصال عون الى قصر بعبدا… وسيوصله…

ولا تتطابق هذه القراءة الميدانية من جانب عون، مع حسابات قيادية في «تيار المستقبل»، بحيث ان التعطيل الذي يمارسه رئيس تكتل التغيير والاصلاح متوقع، لكن وصوله رئيسا للجمهورية يخضع لآلية انتخاب النواب له، وعدا ذلك يكون الامر انقلاباً او اعتماد اساليب غير دستورية، فالرهان على الواقع السوري غير واضح المدى، اذ ان «حزب الله لا يزال يربط مصير لبنان والرئاسة بالازمة السورية، التي لا تدل اي مؤشرات على انها امام حل قريب، لكن نهاية الازمة السورية يوماً، حسب الأوساط، ستأتي برئيس توافقي للبلاد، لا سيما انه فيما خص ايران حاليا، فهي تبدو غير جاهزة، رافضة الاوساط، اعتبار زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند محطة قد تشكل مدخلا لحل الازمة الرئاسية.

وفيما خص موقف رئيس القوات، يفصل المراقبون بين الواقع المستجد بين التيار الوطني الحر وبين القوات اللبنانية الذي يشكل حاجة مسيحية في هذا الظرف، لكن جعجع كمرشح رئاسي جد واضح في خياراته السياسية، وهو لا يقارب هذا الاستحقاق، الا وفق منطلقات سياسية لها صلة بالخيارات، ولذلك يردد باستمرار بأن الملف الرئاسي له حسابات مغايرة مع عون، اما ان يكون انتخاب عون، يأتي كفرض بعد احداث على غرار 7 ايار من العام 2008 من اجل دفع فريق 14 اذار للقبول به، فان لجعجع يتابع المراقبون اعتبارات لا يكشف عنها الا في الوقت المناسب، وفي حال تم استفزازه وتبين له بأن عقارب الساعة تعود الى ما قبل تطورات العام 2005 عندها لن يقبل بأي قرار لا يقتنع بصوابيته وليس فقط لن يقبل به بل يواجهه تحت سقف «النوايا».