رافق تحركات منظمات المجتمع المدني في ساحة رياض الصلح المحاذية لمقر رئاسة الحكومة مواقف وتحذيرات من تحولها حركة محقة تعكس وجع المواطنين اللبنانيين من تنامي الفساد والصفقات واتساع المعضلات الاجتماعية مترافقة مع ازمة تراكم النفايات في الشوارع، رافقت هذه التظاهرات تحذيرات من تيار المستقبل وقوى 14 آذار من امتطاء قوى الممانعة لهذه التحركات من اجل اسقاط الحكومة ودفع البلاد نحو مؤتمر تأسيسي من اهدافه نسف صيغة الطائف واعتماد صيغة بديلة باتت واضحة المعالم بأنها المثالثة.
ورغم رهان كافة القوى الحكومية وبينها المتباينة في مواقفها التي انتجت الازمة الحكومية بأن مساعي وزير المالية علي حسن خليل ستوصل البلاد الى هدنة سياسية بين اطراف النزاع لكون سلسلة الخلافات لن تنحصر بمسألة الآلية ذات الصلة بكيفية التصرف بصلاحيات رئاسة الجمهورية وان المرحلة المقبلة ستشهد خلافات على مواضيع جديدة طالما ان الفراغ الرئاسي مفتوح ولا يزال النائب العماد ميشال عون مرشحاً الى رئاسة الجمهورية وايضا رغم ذلك، فإن للوزير خليل ايضا دوراً مستقبلياً لتطويق الخلافات اللاحقة كما كان له مسعى منذ مدة لتذليل اشكالات سابقة بين رئيس الحكومة تمام سلام وبين عون من خلال لقاءات شملت وزراء التكتل و«حزب الله».
اذ في ظل هذا الصراع السياسي – الرئاسي المفتوح يشهد يوم غد السبت تحركا لمنظمات المجتمع المدني، اسوة «بطلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب» التي ستطعم لا اراديا بوجوه سياسية تدور في فلك «محور الممانعة» وقوى نقابية خرجت من «رحم» هذا الفريق وبذلك تبقى الانظار موجهة نحو حجم ومدى وهوية تحرك يوم غد، وعما اذا كان يحمل خطوات ستدفع نحو سقوط الحكومة وادخال البلاد في حالة فراغ للانتقال الى نظام سياسي جديد في ظل حماسة الناشطين المدنيين لقلب الطاولة عن «براءة» على كل الطبقة الحاكمة من خلال اسقاط الحكومة… والذي سيشارك فيه التيار الوطني معززا بدعم «حزب الله» كترجمة لوعد السيد حسن نصرالله له.
من جهة التيار الوطني الحر لا يخفي محيطون برئيس تكتل التغيير والاصلاح بأن التحرك هذا هو نتاج رفض شعبي لأداء سياسي لم يعد مقبولاً، وان هذا الحراك بات شبيهاً بـ«كرة الثلج» وهو اخذ بالتنامي لدرجة انه سيكون من الصعب مواجهته، ويأتي انضمام التيار الى هذه التحركات من الموقع الطبيعي لدوره الرافض لعدة ممارسات، مدرجين تراجع الحكومة عن مواقفها في مناقصات النفايات نتيجة الضغط الذي مارسه التيار بعد الأسعار التي بدت فاضحة، في موازاة عدم نشر سلام للمراسيم التي اقرت في غياب وزراء التكتل، وذلك بهدف سحب ورقة نزول التيار الوطني الحر الى الشارع وانضمامه الى هذا التحرك نظراً لدوره الفعال في حال حضوره والحجم السياسي – المسيحي الذي يرخيه على هذا التحرك للمطالبة ايضاً بالشراكة واحترام حقوق المسيحيين وايضاً رفضه مضي الحكومة في سياسة الاهمال والصفقات في ملف النفايات.
ورهان العماد عون على سقوط الحكومة من خلال استقالة سلام فيه قصر نظر لكون حلفائه في محور الممانعة لن يخرقوا التفاهم الدولي – الاقليمي بالحفاظ على الحكومة، ينطلق من التعويل على محاولة سلام الأولى الاستقالة، ولذلك فان رئيس الحكومة سيلجأ هذه المرة الى هذه الخطوة اذا ما تفاقمت الأمور واتسعت المطالب الضاغطة وعندها يكون محور الممانعة بريئاً تجاه المجتمع الدولي من هذه الخطوة.
وفي منطق المحيطين بعون، بأن سقوط الحكومة لا يشكل مدخلاً مباشراً للمؤتمر التأسيسي، بل ان انتقال الحكومة الى تصريف الأعمال، لا يلغي حق رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالدعوة الى انتخابات رئاسية وعليه، على فريق 14 آذار وحصراً الحريص منه على انقاذ الطائف التوجه عندها لانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بحيث يلي ذلك مباشرته باستشارات نيابية ملزمة لاختيار رئيس حكومة عهده… وبذلك تخرج البلاد من ازمتها وتحافظ قوى 14 آذار على اتفاق الطائف «المغرومة به».
ولدى فريق في تيار المستقبل، تخوف من ان يكون هذا التحرك واجهة قد يستعملها «حزب الله» لاسقاط الحكومة، مستغرباً ترك الحلفاء المسيحيين الرئيس سلام وحده في المواجهة في مقابل محاولات عون الانقلابية على الطائف، لدرجة ان اداء ومواقف هذه القوى يذكر بمقولة «من لديه هكذا حلفاء ليس بحاجة الى أعداء»، لكون القوى المسيحية كافة تسعى لتصفية حساباتها مع تيار المستقبل كل لاعتبار مختلف عن الاخر.
ولا تتطلع اوساط رفيعة في كتلة المستقبل، الى الحراك الشعبي، على انه توطئة لاسقاط الحكومة والنظام، منطلقة من تمسك الرئيس بري بالبقاء في الحكومة، وانه في موازاة ذلك يندرج التحرك العوني في خانة رفع نسبة الضغط على رئيس الحكومة لاعتبارات لها صلة بالمطالب المرتبطة بحسابات هذا الفريق.
لكن لا تدل تحركات مناصري «حزب الله» بأنه دخل حلبة التظاهر لقلب النظام، تقول الاوساط في كتلة المستقبل،اذ ان «حزب الله» ملتزم التوجيهات الايرانية والروسية كدولتين داعمتين لبقاء الحكومة، وليس من السهل ان يذهب في خطواته الى مدى امني يتجاوز التصاريح السياسية المجازة، ولذلك فان الحزب الذي لم يتقبل اتخاذ قرارات حكومية في غيابه، يرفع وتيرة انطوائه في التحركات، بهدف ايصال تحذيراته من تجاوز حضوره.
لكن ما له صلة بمسؤولية ايران بالحفاظ على الاستقرار في لبنان الذي ترجمه وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بدعمه لحكومة سلام، كنتيجة ترجمة دورها الايجابي في المنطقة وخصوصاً في لبنان مع التوقيع النووي، فان هذا الخيار، يمثل ايضاً حاجة للنظام السوري الذي بات لبنان معبره الى التواصل الخارجي عدا عما يؤمنه من حاجة مصرفية تدفع بـ«حزب الله» للحفاظ على الاستقرار السياسي ـ الأمني على الساحة اللبنانية.
وحيال ما له علاقة بحسابات عون الرئاسية، تتابع الاوساط في المستقبل، أن انتخاب رئيس التيار الوطني الحر، أمر مستبعد وهو يعي ذلك جيداً، ويعرف ايضاً مواقف حلفائه وفي مقدمهم روسيا التي اوصلت اليه رسالة بالعزوف عن هذا الترشح. وتشير الاوساط الى ان رهان عون على تحريك مشاعر المسيحيين لم يعد يعطي نتيجة، بعد ان اضحى تياراً سياسياً معززاً بصداقات لافتة برجال اعمال ورأسماليين ما افقد النظرة اليه كمدافع عن الحقوق المسيحية ومصالحها، عدا ان القطاعات الاقتصادية ـ الانتاجية ـ المصرفية غير مؤيدة لاداء عون وحالات التعطيل الاقتصادي الذي بات يرخي باثقاله على هذه القطاعات صعوبات كبرى… لذلك لن يجد تجاوبا ولا خوف من سقوط الحكومة.
وداخل فريق 14 آذار ايضاً، من يجد أن على كافة احزاب وفعاليات وقوى 14 آذار، ان تلجأ الى خطوة فعالة في ظل محاولة اسقاط الشرعية التي يتلطى وراءها فريق الممانعة، اذ من الضروري ان تحرك هذه القوى جماهيرها للتضامن مع رمز الشرعية وحاميها الذي يمثلها حالياً تمام سلام، لكون محور الممانعة يهدف لتحقيق هذه الغاية، وان العماد عون سيكون اول ضحايا هذه الثورة، لأنه في حال سقوط الطائف واعتماد المثالثة لن يكون رئيساً للجمهورية ولن تكون حاجة لتياره يومها.