Site icon IMLebanon

إنتخاب عون يُقفل «نصف ولاية شاغرة» أم يُنعش «الحضور المسيحي»؟

في معزل عمّا شهده «الإثنين الكبير» الذي عبر أمس إيذاناً ببدء عهد رئاسي جديد، فقد ظهر جلياً أنه طرح في شكله ومضمونه بوادر معادلة جديدة وصعبة. فهل ما حصل سيقف عند حدود إنهاء الشغور الرئاسي أم إنه سيتعدّاه الى استعادة الحضور المسيحي؟ أم إنّ هناك صيغة قديمة – جديدة ما بين الحالتين؟!

جُنِّدت في الأيام والساعات الماضية كلّ الطاقات لإمرار هذا الإثنين بأحلى وأبهى حلّة سياسية وشعبية وحزبية لتسهيل العبور بالبلاد من مرحلة كانت تُنذر بأخطر ما يمكن أن تشهده البلاد من انهيار في تركيبة وأدوار المؤسسات الدستورية في البلاد ووحدتها الى أخرى تستعيد الحدّ الأدنى من شكل الدولة التي تستحق إستمرار الإعتراف بها في موقعها بين المنظومات الإقليمية والدولية في مرحلة هي الأخطر من تاريخ المنطقة ولبنان.

فلا يستطيع أيّ متابع لحقائق سياسية وإقتصادية كثيرة، التنكّر لأنّ حكومة «المصلحة الوطنية» كانت على شفير الإنفجار الكبير. فحجم الخلافات التي رافقت فتح بعض الملفات الدقيقة قارب حدود نسفها من أساسها، وهو ما يؤدي حتماً الى فقدان إحدى أدوات السلطة التنفيذية التي تدير البلد وكالة عن رئيس الجمهورية.

وكلّ ذلك جرى في وقت اقترب المجلس النيابي الذي يمثل السلطة التشريعية، من الإنحلال والشلل نتيجة عدم القدرة على تجاوزه في جلسة «تشريع الضرورة» الأخيرة البت في أكثر من رزمة صغيرة من القوانين الإدارية والمالية تجنّباً لوضع البلد على لائحة الدول الفاشلة بعد الرابع من تشرين الثاني الجاري.

ولن ينسى أحد أنّ آلاف المؤسسات التجارية والإستثمارية قد افلست واقفلت وارتفع عدد العاطلين عن العمل بفعل الشلل في المؤسسات الدستورية والجمود الإقتصادي وغياب المصطافين والمستثمرين في ظلّ مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس الى الذروة.

هذه المقاربة الخطيرة التي وُضعت في تصرّف الفاتيكان والقوى الإقليمية والدولية الباحثة عن مخارج للأزمة اللبنانية المستفحلة دفعت الى ممارسة مزيد من الضغوط على الرعاة الإقليميين لطرفي الأزمة اللبنانية في الرياض وطهران. وعندها بدأ البحث الجدي للوصول الى لحظة للنفاذ بالإستحقاق الرئاسي في وقت ظهر أنّ البلد لم يعد يتحمّل ترددات ما يجري في داخله ومحيطه.

على هذه القاعدة استندت المبادرة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري بعلم اقطاب من العرب والغرب لإستدراج العاصمتين السعودية والإيرانية الى هذه اللحظة الفاصلة، واستطاع الحريري ومعه عدد من قادة المنطقة إقناع الرياض بأنّ عودته الى السراي تزيد في اهميتها على وصول عون الى قصر بعبدا، فرحبت بالتسوية.

في هذه الأجواء، يدّعي البعض وجود قدرات داخلية خارقة انهت مرحلة الشغور وهو ما يُحتسب تنكراً لأهمية كلّ ما جرى من حراك اقليمي ودولي ديبلوماسي غير مسبوق واكب مهمة الموفد السعودي الذي وصل بيروت زائراً فوق العادة على جميع اللبنانيين مشجعاً على التفاهم الذي تحقق ليتحدّثوا بقوة عن تسويات داخلية فرضت نتائجها على القوى الخارجية، وذلك لأهداف مرحلية وموقتة لإستخدام هذا الإستحقاق واستغلاله في اللعبة الداخلية.

وأنّ الأيام المقبلة ستظهر كيفية استخدامها في المراحل الدستورية المقبلة بدءاً من الإستشارات النيابية الملزمة المؤدّية الى مهمة التكليف وتأليف الحكومة وفق التوازنات الجديدة التي ستترجم الأحلاف الجديدة في الصراع بين عون والأوراق البيض.

فالإستحقاقات الدستورية التي ستعيشها البلاد في الأيام المقبلة ستظهر القدرة على تماسك التحالفات الجديدة التي قامت خلف عون بما حملته من تناقضات لم تكن محسوبة قبل ايام على مبادرة الحريري بترشيحه.

وفي الأيام المقبلة سيظهر أنّ انتخاب رئيس الجمهورية يمكن أن يقود الى إحتمال من إثنين:

– الأول يتبنّاه معارضو «الصفقة الرئاسية» ويقول إنّ ما حصل هو مجرّد إنهاء الشغور الرئاسي والإكتفاء بما تحقّق الى الأمس القريب، فتتدحرج المراحل الدستورية اللاحقة من دون وجود أيّ ضابط لها، نتيجة تهديد اركان العهد بجديد يلي انتخابات الأمس ونتائجها، والوعود التي قطعها الرئيس نبيه برّي وأصحاب الأوراق البيض بخوض غمار المعارضة في وجه رئيس الجمهورية المنتخب والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة.

– الثاني يقوده قادة مسيحيون يقول إنّ في ما حصل بداية لاستعادة الوجود المسيحي في تركيبة السلطة العرجاء منذ بدء الشغور الرئاسي

والحضور في الموقع الطبيعي المتقدم على السراي وعين التينة والقادر على تنظيم العلاقة بينهما وإدارتها بشكل سليم.

وفي ظلّ فقدان مؤشرات الحسم بين الإحتمالين، هناك مَن يتحدث عن إحتمالات أخرى ابرزها تلك المتصلة باحتمال إعادة بناء ترويكا جديدة لا بدّ منها. فبرّي سيكون بلا شك الطرف الثالث من أيّ «ترويكا تاريخية». فتركيبة السلطة القائمة لا تتحمّل التغييرات التي يمنّن البعض النفس بها.

فالتجارب السابقة خير دليل على ذلك ومن المهم أن يتوقف البعض عن بناء الأحلام والوعود البراقة التي يمكن أن تتحوّل سراباً قريباً واستبدال ذلك بالعمل على بناء الدولة والمؤسسات مجدداً في ظروف يطلب فيها من الجميع التعاون لإبقاء لبنان بعيداً من الحريق المجاور الى أن يحين وقت توزيع الأرباح والخسائر ومعها المغانم.