Site icon IMLebanon

«معادلة عون» سقطة كبيرة… والطموح الأدنى للثنائية المسيحية 45 نائباً

«حزب الله» يهدف إلى تحجيم الحريرية… والاعتراض الدرزي تحت شعار «الميثاقية» من المفهوم العوني

الكلام الذي نُقل عن رئيس الجمهورية ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء من أنه يُفضّل الفراغ في السلطة التشريعية خياراً على معادلة إما انتخابات على أساس قانون الستين أو التمديد للمجلس الحالي، وذلك في معرض رفضه البحث في تشكيل هيئة الرقابة على الانتخابات التي تسبق دعوة الهيئات الناخبة، هو كلام لا يمكن إدراجه، برأي مرجع دستوري بارز، إلا في سياق الإنذار للقوى السياسية وتحفيزها من أجل إنتاج قانون انتخاب جديد يلبي طموحات اللبنانيين ويفي بما تعهّد به في خطاب القسم. أما الذهاب إلى التهديد بأنه لن يُوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، فذلك يشكل «سقطة كبيرة» له كرئيس للبلاد مُؤتمن على حماية الدستور والمحافظة عليه وعلى استمرارية عمل السلطات الدستورية، ومن أولى واجباته الاحتكام إلى القانون.

فبمعزل عما إذا كان قانون الستين قانوناً جيداً أو سيئاً، فإنه يبقى قانوناً ساري المفعول وقائماً ونافذاً، واحترام الدستور يقضي بأن تجري الانتخابات في موعدها وعلى أساس القانون الساري ما لم يكن مجلس النواب قد أقرّ قانوناً جديداً يلغي القانون النافذ، وأن تتم تالياً دعوة الهيئات الناخبة قبل الحادي والعشرين من شباط المقبل، وفق المهل الدستورية. أما رفض رئيس الجمهورية توقيع المرسوم، فهو بذلك يكون قد خالف الدستور، الذي يُحتّم عليه تأمين استمرارية الحكم وليس الدفع إلى الفراغ، ووضع نفسه في موضع المساءلة مع بداية عهده. ومن هنا يسود الاقتناع بأن تهديد رئيس البلاد هو وسيلة ضغط على الجميع من أجل إنجاز قانون جديد للانتخابات، لأن الذهاب في خيار التعطيل يفتح الباب ليس فقط أمام أزمة دستورية، بل أمام أزمة سياسية مخالفة لكل المناخ الإيجابي الذي ساد البلاد منذ التسوية التي آلت إلى انتخابه رئيساً للجمهورية ومجيء الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة وتأليف حكومة الوحدة الوطنية، ومسار الهدوء والتعاون الذي غلب على جلسات مجلس الوزراء التي انعقدت منذ نيل الحكومة الثقة.

على أن في خلفية المشهد، ثمّة الكثير مِن الذي حصل ويحصل. لم يكن تفصيلاً تعهّد الحريري، في بيانه يوم تشكيل الحكومة، بقانون انتخابات على أساس النسبية، وبدا يومها وكأنه شرط استجاب له للإفراج عن الحكومة. فالرجل عملياً دخل في مقايضة بين الموقف السياسي ورئاسة الحكومة. وهذه المقايضة ستكون لها أثمانها. أما على المقلب الآخر، فإن «حزب الله» الذي يعتبر أنه أوصل إلى سدّة الرئاسة حليفاً له، وأن عودة الحريري إلى سدّة الرئاسة الثالثة حصلت وفق مقاييسه والقواعد التي حددها، وأن الحكومة جاءت ثلاثينية كما طلب وبتوازنات تميل إلى مصالحه عند الضرورة، من ثلث معطل وربما إلى أكثرية! فإنه من الطبيعي أن يتوّج ذلك بقانون انتخاب رسم معالمه أمين عام «حزب الله» باكراً حين تحدّث عن نسبية كاملة.

في خلفية المشهد هذا، يُشكّل «حزب الله» نقطة الارتكاز. قد يكون صحيحاً أن اعتراض الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على ما يُطرح خارج قانون الستين هو عنوان المواجهة الحاصلة، لكن المشكلة تتعداه إلى قوى سياسية أخرى، وفي مقدمها «تيار المستقبل» ورئيسه الذي يُشكّل اليوم زعيم الغالبية في البرلمان، وهو ما لن يحصل في الانتخابات على أساس النسبية، ذلك أن الترجيحات تذهب في هذا السياق إلى أن الحريري سيخسر نحو ثلث كتلته أو أقل بقليل، وهؤلاء سيكونون عملياً من النواب المسيحيين وبعض النواب السنّة. غير أنه في المقابل سيبقى صاحب الكتلة الأكبر على الصعيد السني بما يؤمّن عودته إلى رئاسة الحكومة، وإن كانت هذه العودة لا تحكمها فقط لعبة الأحجام بل التوافقات والتسويات، ما دامت موازين القوى في البلاد مختلة أساساً.

وإذا كان أحد أهداف «حزب الله» هو تحجيم الحريرية السياسية بعدما أظهرت الأيام استحالة إنهائها من جهة، والحاجة إليها بما تشكله من خط اعتدال سني من جهة ثانية، فإن قانون النسبية يكون قد أمّن له ذلك. فاعتماد النسبية عملياً سيؤول إلى تعميم الخسائر على القوى الكبرى المؤثرة انتخابياً، لكن نسبة الخسائر هنا تختلف بين فريق وآخر.

في حسابات الحزب أن «الثنائية الشيعية» ستخسر بعض المقاعد، لكن تحكّمها بواقع الأرض حيث تنتشر، يجعل خسارتها محدودة نتيجة فائض قوة السلاح، لكنه في المقابل، يراهن على حصد حلفائه في المحافظات الأخرى مقاعد نيابية بما يجعل المحور السياسي الذي يتزعمه أكثر تأثيراً في البرلمان ولديه الكتلة الأكبر. كانت الآمال، في زمن تموضع البلاد بين معسكري الثامن والرابع عشر من آذار، أن تحصل قوى الثامن من آذار على الأكثرية البرلمانية، فتتحكم بالسلطة وقراراتها من بوابة الدستور واللعبة الديموقراطية، لكن قوى الرابع عشر من آذار فازت يومها بالغالبية البرلمانية، وعطلت هيمنة السلاح مفاعيل الفوز.

معادلة معسكري 8 و14 آذار لم تعد اليوم تستقيم مع تحوّلات المشهد السياسي الداخلي بولادة «ثنائية مسيحية» تحاكي «الثنائية الشيعية»، وتضع بتحالفها نصب أعينها استعادة حقوق المسيحيين التي لا تتأمن إلا بقانون ودوائر تجعل الكلمة الأساسية للناخب المسيحي في إيصال المرشحين المسيحيين حيث هو ممكن، وبالتوافقات حيث هو متعذر، بما يجعل الكتلة المنتمية لثنائي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» هي الأكبر. «الثنائية المسيحية» عازمة على أن تُشكّل القوة الوازنة في البرلمان عبر كتلة مسيحية صافية لها لا تقل في أسوأ الأحوال عن 45 نائباً، بحيث تكون قادرة على أن تتحكم بمسار الاستحقاقات الرئيسية في المجلس مثل انعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية أو مشاريع تعديل الدستور وما يشابه من القرارات التي تحتاج إلى أصوات ثلثي النواب. وهذا ليس طموحها الأقصى بل الأدنى، والوصول إلى ما هو أبعد يمكن تحقيقه عبر نقل بعض المقاعد من دوائر إلى دوائر لديهم فيها تأثير أكبر، وطرح تخفيض عدد النواب من 128 إلى 108 كما نصت عليه تعديلات «اتفاق الطائف»، قبل أن يتم لاحقاً رفع العدد إلى 128 وتوزيع مقاعد مسيحية في دوائر ذات غالبية مسلمة.

تلك التحوّلات على الساحة المسيحية، والتي خاض «التيار الوطني الحر» معركته تحت شعار «الميثاقية» بالمفهوم الذي طرحه من بوابة أن عدم مراعاتها يضرب العيش المشترك ويُهمّش الطائفة المسيحية، تفتح الباب أمام تساؤلات لدى أي طائفة تعتبر أنه يتم تهميشها. وهنا يصبح مشروعاً للدروز أن يرفعوا الصوت الاعتراضي تحت شعار الميثاقية ومن المفهوم نفسه. أما الكلام عن صحة التمثيل، فهو يفتح الباب أمام أسئلة أكثر حساسية ودقة في هذه المرحلة. أسئلة من نوع ارتباط صحة التمثيل بالعدد، وهو ما يذهب بالبلاد إلى مكان آخر من النزاعات وإلى مخاض سياسي كبير!

في الغرف المغلقة، ثمّة مَن يقول أن «حزب الله» حريص على تقوية شريكه في سدّة الرئاسة الأولى، لكنه ليس في وارد القبول بالعودة إلى الوراء. وليس هذا محصوراً به وحده، لكنه اليوم يُشكّل مركز الثقل في القرار. والعودة هنا يُقصد بها العودة مجدداً إلى زمن تحكم «المارونية السياسية». قد يكون هذا تعبيراً مجازياً، ولكن هناك من يرى أن ما تمت خسارته في الحرب لن يُسمح باستعادته في السياسة. فهل ثمة من يلعب على حافة الهاوية؟ سؤال تفرضه حال الغليان الصامت في مكان والعجز القاتل في مكان آخر، وأهواء السيطرة على القرار الوطني في مكان ثالث ورابع… فيما المطلوب الذهاب إلى قانون عصري لا يتحقق إلا من خلال استكمال الإصلاحات السياسية في «اتفاق الطائف» الذي أضحى دستوراً، وفي مقدمها إلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي واستحداث مجلس للشيوخ يمثل الطوائف ويحمي مصالحها.