IMLebanon

تصعيد عون… مدروس أم إرتجال يُصيب الحلفاء!

حسَم النائب ميشال عون خياره، وقرّر الذهاب الى التصعيد السياسي، بعناوين الميثاقية، الشراكة، والوجود، لاسترداد الحقوق أو انتزاعها ممَّن «صادروها».

هي حرب سياسية يقودها وينظر لها جبران باسيل، ومفتوحة على تدحرج تصاعدي لكلّ الاحتمالات والخطوات السياسية وحتى الجماهيرية وفقاً للتحضيرات والاستعدادات التي يُجريها «التيار الوطني الحر».

ولكنها قبل احتدامها، تستدعي الأسئلة التالية:

أولاً، الى اين سيصل عون في هذه الحرب؟

ثانياً، هل يخوضها في التوقيت الصحّ وفي المكان الصحّ وتحت العناوين الصحّ، أم أنها تأتي في الزمن الغلط والمكان الغلط وتحت العناوين الغلط؟

ثالثاً، في ميزان الربح والخسارة لا حلّ وسطاً في هذه الحرب، فإما ربح كامل وإما خسارة كاملة، فهل يضمن عون الربح وكيف وأين وفي أيّ عنوان من عناوينه المطروحة؟ وإن خسر هل يحتمل كلفة الخسارة وتحت أيّ عنوان أو شعار سيستمرّ بعد ذلك؟

رابعاً، هل درس عون خطواته التصعيدية جيداً، أم أنها خطوات محكومة بالانفعال والتسرّع والارتجال، وهل صحيح أنّ التصعيد استفزّ حتى أقرب الحلفاء له؟

خامساً، هل نسَّق خطواته التصعيدية مع حلفائه وخصوصاً مع «حزب الله»، وهل إنّ الحزب يجاري حليفه بهذا التصعيد؟

سادساً، ماذا عن سعد الحريري الشريك في «الحوار الرئاسي»، وما هو موقفه على ضوء التطورات التصعيدية الجديدة، خصوصاً أنه يقع سياسياً في الجهة المستهدَفة بالتصعيد، وهل اقتنع عون بأنّ الحريري لا يملك شيفرة الأرقام السرّية لفتح القفل الرئاسي؟

سابعاً، أين سمير جعجع في هذا التصعيد، وهل ثمّة شراكة له أو بصمات على بعض الخطوات والعناوين والشعارات التي دارت حول الميثاقية ثمّ ما لبثت أن استحضرت الفيدرالية؟

ثامناً، هل إنّ عون بهذا التصعيد يُخرج رئاسة الجمهورية من الأفق المسدود الذي وصلت اليه، أم أنه يُبعدها أكثر والى أمدٍ طويل؟

تاسعاً، هل هذا التصعيد يستبطن إقراراً ضمنياً من عون بأنّ الأمل بوصوله الى رئاسة الجمهورية بات مفقوداً، فرفع شعار «عليّ وعلى أعدائي»… وذهب الى مواجهة ما سمّاها «أزمة نظام»؟

عاشراً، هل يضمن عون أن يبقى التصعيد في الإطار السياسي، ولا ينسحب توتراً أمنياً أو مالياً أو غير ذلك في البلد، أم أنه مطمئنّ إلى أنّ «الحظر الدولي» على المسّ بهذين الملفين الامني والمالي يمنع تأثرهما بأيّ تصعيد سياسي؟

واضح أنّ عون وبالعناوين التي يطرحها ألزَم نفسه الذهاب الى هذه الحرب، أشعل شرارتها في الحوار وقرّر مغادرته، لكنّ مبادرة ذكية من الرئيس نبيه برّي منعت عليه تحقيق «الخطة المرسومة عن سابق تصوّر وتصميم»، فعلّق الحوار جملة وتفصيلاً قبل أن ينسفه عون.

في هذا الوقت كانت الرابية تتابع مجريات جلسة الحوار لحظة بلحظة، وكان «الجنرال» ينتظر مع بعض زواره أن تتناقل وسائل الإعلام خبر انسحاب جبران باسيل من الحوار، وطال الانتظار.

أمام هذا الاصطدام بالحوار، صار من الصعب على عون أن يتراجع، بل صار مضطراً أن يبني على هذه الشرارة لتصعيد أكبر.

تبعاً لذلك، يعتقد العونيون أنّ خروجهم من الحوار وجّه ضربة شبة فاصمة له، ويأمل «المتحمّسون» منهم أن تتداعى مغادرتهم الشراكة في الحوار، على الشراكة في الحكومة ولو بعد حين. برّي ردّ الكرة الى الملعب العوني «ستبحثون عني لمعاودة الحوار».

تفاجأ «حزب الله» بالتصعيد ووجَد نفسه في موقع المحرج، حليفه عون و»نور عينه» سليمان فرنجية يتقاتلان. صار هدفه الاحتواء وإنزال الحليفين عن الحلبة، وأسمَع مَن يجب أن يسمع «البلد يغلي و«عم يخرب»، هناك لغم كبير مزروع في البلد، وهناك مَن يصبّ الزيت على النار، هل ستبقون متفرّجين أم ستبادرون الى المعالجة قبل فوات الأوان، إن انفجر البلد سينفجر بنا جميعاً، ولن تستطيعوا أن تلمّوه».

القراءات السياسية للواقع الداخلي في موازاة التصعيد العوني، تتقاطع عند الخلاصات التالية:

أولاً، إنّ الازمة السياسية والرئاسية وعدم القدرة على إنتاج قانون انتخابي جديد، مستمرة وما زالت عصية على الحلّ داخلياً وخارجياً.

ثانياً، لا أزمة حكومية، لأنّ أيّاً من القوى السياسية، بما فيها المصعِّدون على الحكومة، جميعاً ليسوا قادرين على مغادرتها أو المسّ بها أو التخلّي عنها لأن لا خيارات بديلة.

ثالثاً، لا حلول سياسية وشيكة لأزمات المنطقة وفي مقدمها الازمة السورية، من شأنها أن ترتدّ إيجاباً لتولِّد حلاً في لبنان.

رابعاً، كلّ المنطقة صارت مرتبطة بالانتخابات الرئاسية الاميركية، والدول المشاركة في أزماتها مثل السعودية وغيرها، دخلت عملياً في انتظار تبلور صورة الادارة الاميركية الجديدة، لتبني خطواتها اللاحقة أو شروطها أو حجم تنازلاتها من اليمن الى العراق الى سوريا الى لبنان، على ضوء تلك الصورة.

خامساً، شاء لبنان أم أبى، فقد دخل في ثلاجة الانتظار، وعلى هذا الأساس بدأت القوى السياسية الفاعلة بتصريف فعل الانتظار لما سيأتي على لبنان، وقرّرت أن تتكيّف معه الى آخر الحدود، خصوصاً بعدما ثبُت لديها بالوجه الشرعي السياسي «أنّ محاولة لبننة الاستحقاق الرئاسي قد كُسرت، وصار على اللبنانيين أن ينتظروا الخارج لكي يأتي اليهم بالحل».

سادساً، يُؤخذ على «التيار الوطني الحر» أنه يقف وحده على الضفة المقابلة، يرفض التسليم بفكرة الانتظار، لأنه يعتقد أنّ هذا الانتظار قد يطول وسيكون على حسابه، فهناك مشكلة اسمها «مشكلة العمر» في رأس الهرم فيه. إضافة الى أنه يعاني أزمة عاصفة في داخله، وضيقاً في الخيارات.

ويعبّر عن ذلك «خبط عشواء» بضيق بالحوار، بضيق بالحكومة، وضيق بالشارع، ويُحدّد خطواته بمعزل عن حلفائه ومن دون أن يأخذ في الاعتبار مصالحهم وموقفهم وتحالفاتهم وصداقاتهم، وكذلك مصالح جميع المسيحيين الموجودين في البلد.

ولعلّ أكثر المآخذ التي تُسجَّل عليه من الجميع «من دون استثناء» أنه مصرّ على إغماض عينه:

– على حقيقة أنه يخسر وحده معاركه كلها.

– على حقيقة أنه يخسر أصدقاءه وحلفاءه الطبيعيين في الداخل.

– على حقيقة أنه يُصرّ على اختزال المسيحيين كلهم، به وبحليفه الجديد سمير جعجع (94 في المئة) وأما الآخرون كلهم: بكركي، تيار «المردة»، حزب الكتائب، «الأحرار»، الكتلة الوطنية، الرئيس ميشال المر، آل سكاف، آل فتوش، مسيحيّو «14 آذار» المستقلون، المسيحيون المستقلون وغيرهم وغيرهم (6 في المئة)

– على حقيقة ثابتة وساطعة ومرئية ومسموعة ومقروءة من الجميع، بأنه لو كانت هناك إرادة محلية أو إرادة إقليمية أو إرادة دولية للسير بعون رئيساً لكان انتخب قبل سنة أو سنتين. ولكن ليس هناك أيّ من الإرادات الثلاث.

– على حقيقة أنّ مشكلة عون الحقيقية ليست مع برّي أو فرنجية أو أيّ طرف لبناني، بل هي مع السعودية التي تضع «الفيتو» على وصوله الى رئاسة الجمهورية، ومع ذلك، لم يؤشّر ولو بالإصبع الى مَن يمنع وصوله فعلاً، ولم يأتِ بكلمة على المعطلين الحقيقيين، فما زال ينتظر او يعتقد أن يسقط «الفيتو» في لحظة ما، بل يؤشر في اتجاه الأطراف المحليين وخصوصاً الحلفاء اللصيقين بـ»حزب الله» ويتّهمهم بالتعطيل، ويذهب الى خطوات تصعيدية ضدهم.

من دون الاخذ في الاعتبار أنّ هذا التصعيد يصيب مباشرة أو بشكل غير مباشر «حزب الله»، فضلاً عن طرح شعارات مستفزة للحزب وغيره مثل الفيدرالية، التي لا تنعش إلّا أصحاب المنطق الفيدرالي الذي كان سائداً في زمن الحرب الاهلية.

ولعلّ أخطر المآخذ يكمن في عدم تقدير أنّ الخسارة – إن وقعت – فلن تكون شكلية أو بسيطة، بل ستكون موجعة ووقعها سيكون أقرب إلى الانتحار السياسي الذي حذّر منه وليد جنبلاط بالأمس، وساعتئذٍ لا ينفع الندم.