نجَح مسيحيّو «14 آذار» من دون أن يتكبّدوا أيّ جهد، في إظهار مدى انحسار شعبية «التيار الوطنيّ الحرّ» في البيئة المسيحية، بإنجاز سياسيّ تكمن أهميته في أنّه جاء على يد «العونيّين» أنفسهم!
يحقّ لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أن يعلن اليوم وبشكلٍ صريح أنّ حزبه ومعه بقية المكوّنات المسيحية في قوى «14 آذار» وبصرف النظر عن الأرقام والنسب المئوية، تجاوزوا وبشكل لا يقبله أيّ شك شعبية العماد ميشال عون وتياره في الشارع المسيحي، وبقيَ عليهم فقط أن يبرهنوا هذا الأمر عملانيّاً، من خلال تركيز جهودهم على تثبيت وتدعيم قواعدهم التنظيمية في مختلف القطاعات والمناطق.
وأصبح من المفروض على العماد عون أن يُلغي من حساباته فكرة سيطرته على 70 في المئة من البيئة المسيحية، باعتبار أنّ هذه الأرقام أقلّ ما يُقال عنها بعد الذي شاهدناه جميعاً خلال التحرّكَين الأخيرَين لـ»التيار الوطني الحرّ»، أنها أرقام خياليّة لا تمتّ للحقيقة وللواقع بأيّ صلة.
اليوم، يُصبح الكلام عن ورقة «إعلان النوايا» التي وقِّعت منذ أشهر بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطنيّ الحر»، أكثر عملانية وعقلانية، وتُصبح معها الاجابة على سؤال طُرح منذ البداية عمّن استفاد أكثر من هذه الورقة أكثر سهولة، وأقلّ عناء.
في طبيعة الحال، أظهر جعجع عن مصداقية كبيرة، من خلال التزام بنود الورقة وإعطاء توجيهاته إلى قيادات حزبه وكوادره، بعدم زجّ أنفسهم في أيّ حوار أو نقاش اعلاميّ، في ما خصّ التحرّكات العونية.
هذا الأمر شكّل عقبة كبيرة أمام العماد عون وطريقة تحريك شارعه، وحضّه على النزول الى الشارع بكثافة، فكان أن استبدل الخصومة المسيحية – المسيحية، التي لم تعد تؤتي ثمارها بفعل ورقة التفاهم ووعي الطرف الآخر، عبر اللعب على الوتر الطائفي وإظهار تيار «المستقبل» مجدَّداً بصورة الوحش أو البعبع السنّي الذي يحاول السيطرة على كلّ ما يمّت للطائفة المسيحية من مراكز ومناصب في الدولة اللبنانية، وصولاً الى قيادة الجيش، ورئاسة الجمهورية!
«بدا واضحاً أنّ الجمهور المسيحي أكثر وعياً وادراكاً وفهماً لما يجري حوله»، وفق ما رصدت أوساط سياسية متابعة للحراك العوني، مؤكدة لـ«الجمهورية»: «كان همّ العماد عون في الدرجة الأولى صناعة عدوّ أو خصم سياسي أمام جمهوره لتحفيزه وتشجيعه على النزول الى الشارع، ومَن أجدر بالنسبة إليه، من تيار «المستقبل» للعب هذا الدور، من خلال إعادة استحضار ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟»
وتضيف: «لكنّ الرئيس سعد الحريري كان واعياً لهذه المسألة، وأبلغ إلى مسؤوليه وكوادره، ضرورة عدم زجّ اسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري في أيّ نقاش داخليّ، باعتبار أنّ ذكرى استشهاده وولادة «ثورة الأرز»، أكبر وأعمق من أيّ خلاف سياسي».
وتتابع تلك الأوساط: «ظهر أمام الناس الفشل الذريع لهذا التحرّك، على رغم كلّ الحملات والدعاية التي سبقته، وهو أمر لم يكن مفاجئاً، بعد عدم نجاح الحراك الأول في تحقيق أهدافه خصوصاً في ظلّ انكفاء حلفاء عون واعتبار القضية لا تعنيهم».
من جهته، يستغرب مصدر قيادي في قوى «14 آذار» كلام العماد عون عن وصف تيار «المستقبل» بـ«داعش»: «إن كان ذلك صحيحاً، نحن ندعوه عندها للتعرّف على أبو بكر البغدادي، لا أن يفتح حواراً مع سعد الحريري».
ويقول لـ«الجمهورية»: «على الصعيد الوطني، عون ارتكب خطيئة كبرى في هذا الكلام، وهو بذلك خرج من الحياة الوطنية، فكيف يمكن له أن يأتي رئيساً لجمهورية وصف جزءاً كبيراً من أبنائها بالداعشيين؟»
ويضيف المصدر نفسه: «أما على الصعيد المسيحي، وقف الوزير جبران باسيل أمام مبنى وزارة الخارجية اللبنانية وإلى جانبه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف شاكراً لإيران دعمها ووقوفها الى جانب الأقليات!
أولاً، ألا يعلم هذا الشاب أنّ جدّه البطريرك الحويك مؤسس دولة لبنان الكبير أعلن عام 1920 أنْ لا أحد يحمي اللبنانيين، لا السلطان عبد الحميد حينها، ولا الوليّ الفقيه اليوم؟ ومَن قال لهذا الشاب إننا أهل ذمّة في لبنان؟ ونريد مَن يحمينا، هذا كلام مذلّ وغير مقبول، وكان بإمكانه أن يقوله أمام مقرّ تياره!»
ويعتبر المصدر أنّ «تحرّكات عون لا أفق لها، لأنها محكومة بالحراك الدولي والاقليمي، يُضاف الى كلام ظريف عن دعم الحكومة اللبنانية والاستقرار في البلاد»، مؤكداً «أننا لم نُفاجَأ بالتراجع الشعبي لعون بعد انضمامه الى محور إقليميّ ودوليّ، لا يتماشى مع مبادئ وتوجّهات المسيحيين في لبنان».
ثمّة مَن يعتقد أنّ الرابح الأكبر من تحرك العماد عون الأخير، البيئة المسيحية نفسها، التي أثبتت بشكلٍ قاطع تعلّقها بلبنان الوطن الحاضن لجميع أبنائه، وإيمانها المطلق بشعارات ثورة الأرز ومبادئها، ولو شكت من تراجع من هنا، أو تخاذل من هناك، مصمّمة على المضيّ قدماً في سبيل ترسيخ وحدة الوطن، وحريته واستقلاليته.