IMLebanon

عون من الأحلام إلى الألغام.. إلى العقدة السورية

إذا سارت كل الأمور على نحوها المأمول اليوم، فان الجنرال ميشال عون سيحقق حلمه الشرعي وحلم كثير من محبيه ومؤيديه بالوصول الى الرئاسة، وهو استحقها بجدارة الصبر والموقف والجهد. الرجل الذي كافح وقاتل وخاصم وتنافر وتقارب وأصاب وأخطأ، ينام هذه الليلة ملء الجفون ويرتاح فوق عقوده الثمانية مستعيداً نشاط الشباب… فماذا سيفعل حيال بلدٍ فيه الأحلام عابرة حتى لو تحققت، والألغام دائمة حتى لو تفككت… موقتاً، لو فرضنا أن الرئيس هذه المرة صناعة لبنانية بامتياز (كما يحلو للبعض تسويقه)، فماذا عن مصانع الخارج، وتحديدا ما يتعلق بالعقدة السورية؟

÷ لا شك ان الرئيس السوري بشار الأسد سيكون في طليعة مهنئي الرئيس ميشال عون. سيتصل هاتفيا، ويبعث ببرقية تهنئة حميمة تؤكد على خصال عون والأمل بنجاحه، لكن سوريا لن ترسل وفداً للتهنئة (خلافا لما تسرّب) حرصا على عدم الإحراج. دمشق مرتاحة لهذا الخيار في رئاسة لبنان. علاقتها بعون ممتازة. هي ترى فيه «الرجل الذي خاصم بشرف وصالح بشرف». هي تراه أيضا الرجل الذي قرّب للمرة الأولى فعلياً الرأي العام المسيحي من المقاومة ضد إسرائيل. وهي خصوصا تدرك أن جزءا كبيرا من وصول عون الى الرئاسة كان ثمرة وفاء حليفها «حزب الله» لوعده. لذلك ربما كانت تفضل أن لا يشن عليه حليفها الآخر «الصديق المخلص» رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية هذا الهجوم الأخير، خصوصاً أن فرنجية نفسه هو الثاني على لائحة الرؤساء المقبلين بعد عون.

أما بالنسبة لتولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، فهذه قضية أخرى تستدعي الحذر السوري. يبدو أن مقابلة الحريري الأخيرة عبر الـ «أل بي سي» التي تحدث فيها ضد الأسد، عكست بالنسبة لدمشق «رغبة واضحة ببقاء الحريري دائراً في كنف الحرب السعودية على سوريا». هذا أول الألغام.

÷ مع تسارع وتيرة التطورات العسكرية في حلب. تفيد معلومات مؤكدة ان الروس راغبون بتسريع خطوات استعادة كل المدينة الشمالية. صحيح أنهم يتريثون الآن وأنهم أوقفوا الغطاء الجوي منذ ١٣ يوما، والسبب هو إيجاد المبررات السياسية والأمنية قبل الضربة الأخيرة. ووفق التقديرات الأمنية السورية، فان الأمر لن يستغرق أكثر من أسابيع قليلة أي انه قد يسبق استقرار الإدارة الاميركية الجديدة. لو حصل هذا الأمر الذي يواجه حتى الآن قتالا شرسا من قبل المسلحين، ولو تمت السيطرة على مدينة «الباب» الشمالية أيضاً، فان الأمر سينعكس إيجابا على حلفاء دمشق في لبنان مقابل ضبابية المشهد السعودي، وضبابية العلاقات السعودية المصرية. سيرتاح عون أكثر، ويضيق الهامش عند الحريري أكثر.

÷ حصل تطور سياسي وأمني مهم مؤخرا بين سوريا ومصر. طُرحت جديا مسألة إعادة العلاقات الديبلوماسية وعودة السفيرين. الزيارة العلنية التي قام بها رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك الى القاهرة بطلب منها قفز فوق الأمن الى عمق السياسة. كان لقاء المملوك مع الرجل الثاني في مصر اللواء خالد فوزي نائب رئيس جهاز الأمن القومي (على اعتبار ان السيسي هو رئيس الجهاز)، أكثر من مهم. القيادة المصرية التي تنافرت مع السعودية مؤخرا والتي تتعرض لضغوط أميركية بشأن حقوق الانسان والحريات واشراك الاخوان المسلمين مجددا بالسلطة، أرادت من خلال استقبال المملوك علانية توجيه رسائل متعددة الاتجاهات وتعزيز التقارب مع روسيا. أرخى اللقاء أجواء إيجابية في دمشق، لكن حتى الآن لم تتلق الخارجية المصرية ولا الجهاز المكلف بالسفراء أيّة توجيهات حيال هذا الأمر. لعل القاهرة تتريث لإيجاد مبرر كي لا تزيد الشرخ مع الرياض برغم أنها تستشعر، وفق ما ينقل أحد الديبلوماسيين العائدين مؤخرا من القاهرة قلقا مصريا متناميا حيال السياسة السعودية في المنطقة وتخشى ارتدادات قريبة على المملكة.

في جميع الأحوال، لو ارتفع مستوى العلاقات المصرية السورية وتم تأمين غطاء عربي أوسع للتطورات المقبلة فان حلفاء سوريا في لبنان قد يشعرون براحة أكبر في المرحلة المقبلة.

÷ ثمة معلومات أوروبية تفيد بأن لقاءات إيرانية أميركية على مستويات أمنية وسياسية عُقدت مؤخرا بعيدا عن الأضواء بغية تخفيف بؤر التوتر في المنطقة وتسهيل نهاية عهد مريحة لباراك أوباما. إذا صدقت هذه المعلومات فإن الأمر يعني أن طهران تقدم هدية للحزب الديموقراطي الاميركي قبيل الانتخابات ما يمهّد لعلاقة أفضل مع هيلاري كلينتون في حال فوزها في الرئاسة، ولو ان محور روسيا إيران سوريا يفضلون ضمنيا عدم فوزها نظرا لخطورتها وميلها الى عسكرة بعض الملفات الاستراتيجية. إذا صدقت المعلومات فهي توضح ربما سبب التريث قليلا في معركة حلب وتسهيل الانتخابات اللبنانية والتعاون في الملف العراقي قبل معركة الموصل وتشدد اميركا ضد السعودية في اليمن.

ماذا نستنتج من كل ما تقدم؟

أولا، ان ميشال عون الذي وصل بصبره وشعبيته وشرعيته الى تحقيق حلم الرئاسة، يُنهي بوصوله اليوم الى بعبدا أعقد مهام «حزب الله» والتزاماته. اليوم تبدأ عند الحزب مرحلة أخرى، أولها بذل كل ما أمكن لإرضاء الحليف الاستراتيجي الداخلي الرئيس نبيه بري وتقريبه من العماد عون، وثانيها بذل كل ما أمكن لعدم تحويل رئاسة سعد الحريري انتصارا له أو للسعودية، وثالثها منع «القوات اللبنانية» من قطف الثمار.

ثانيا، لا شك ان الرئيس نبيه بري الذي برع في ربط الكثير من الخيوط المحلية والإقليمية والدولية برغم تناقضها، في خلال السنوات الخمس الماضية، يسعى لأن يكون «مايسترو» تسهيل او تعقيد عمل العهد الجديد، وهذا لن يكون سهلا أمام رئيس للجمهورية من نمط آخر يؤمن بأن على الرئيس ان يكون صاحب الكلمة الأولى، برغم ان اتفاق الطائف سلخ منه الكثير لمصلحة رئيس الحكومة.

ثالثا، كان العماد عون قد كرر غير مرة أمام زواره أن لا كلام في عهده عن سلاح المقاومة او عن انسحاب «حزب الله» من سوريا. وإذا كانت مسألة البيان الوزاري سهلة نسبيا لكون البيان سيتبنى تقريبا العبارات نفسها التي وردت في بيان حكومة الرئيس الصابر والطيب والتوافقي تمام سلام، فلا شك ان تشكيلة الحكومة وقضية سلاح «حزب الله» والموقف من سوريا، أمور مفصلية امام العهد المقبل. فالمحور الذي يشعر بأن رئاسة عون انتصار له، لن يقبل ان يُنسف الانتصار بفخاخ الحكومة المقبلة.. هنا تتوقف الأحلام لتبدأ مرحلة تفكيك الألغام.