لن يقبل الناس في لبنان، والمسيحيون تحديداً، أن تؤدي المباحثات الدائرة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى الفشل. كما لن يقبلوا ألاّ يصل الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله الى نتيجة. صحيح أن كلا من الحوارين له خصوصيته وفرادته وتميّزه عن الحوار الآخر، إلاّ أنّ المحصلة تتبدّى في خلاصة صارمة: هذا الوطن لم يعد يتحمل! ونحصر كلامنا، اليوم، مرة جديدة بالحوار المسيحي – المسيحي.
ما صدر عن الدكتور سمير جعجع، أمس، أعطى إنطباعا مزدوجاً: فمن جهة كان الإنطباع إن العملية مستمرة ولابدّ لها من خواتيم إيجابية، والإنطباع الثاني إن أمامنا سنة («قبل أن يبلغ الجنرال عامه الحادي والثمانين»).
أكيد أنّ بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية مخزوناً من السلبيات وتراكماً من الخيبات ناهيك بالصدامات على أنواعها. ومفهوم أنّ ذلك كله وعمره نحو ثلاثة عقود لا يمكن محوه بعصا سحرية. وان أحداً لا يطلب محوه. بل كلنا نطلب تجاوزه. والمسيحيون تعبوا من هذا الخلاف الذي يعرفون (كما يعرف التيار والحزب) ان أضراره كبيرة… وباتت فوق الطاقة على التحمل في الظرف الموضوعي لمسيحيي المشرق ولمسيحيي لبنان.
وكنا كتبنا هنا متوجهين الى ضميري الزعيمين عون وجعجع ألاّ يسمحا بفشل الحوار… واليوم نكررها بعدما تلقينا خلاصة دراسة أجريت على قطاعات إغترابية مسيحية عريضة في كندا وأوستراليا وبلد خليجي واحد. وكان الرقم مذهلاً لجهة مؤيدي الحوار والمطالبين بنجاحه وقد بلغت نسبتهم الـ97 في المئة… وهو إجماع غير مسبوق في الوسط المسيحي.
من لا يعرف الخلاف السياسي العميق بين الطرفين؟
من يجهل الخيارات الإقليمية المتناقضة بينهما؟
من ينكر أهمية المصالح، لكل منهما، المتأتية عن تلك الخيارات؟
ولكننا، مع ذلك، نرى أنها ليست أخطر ممّا كان بينهما من خلاف ميداني. وهي لا يجوز أن تكون أكبر من المصلحة اللبنانية العليا التي لا نراها محققة، في هذه المرحلة، إلاّ بتوافقهما، كمرحلة أولى… ثم يتسع الحوار ليشمل سائر الأطراف.
طبعاً نحن لا نطلب (ولا يخطر في بالنا) أن يندمج الجانبان في تيار واحد أو حزب واحد. فهذا التشابه لا نريده، ولا نحبذه، وحتى لا نستسيغه في المسار السياسي عموماً، وفي المسار المسيحي خصوصاً.
ولكننا نعرف أن منطلقات الفريقين واهدافهما اللبنانية متشابهة خصوصاً من حيث النظرة الى لبنان وسيادته واستقلاله والدور المسيحي فيه. بل إن الطرفين لا يشككان (أحدهما والآخر) في هذه الحقيقة.
من هنا نستحلف الحكيم والجنرال (وسنظل نفعل) ألاّ يوصلانا الى الخيبة لأنها ستكون بمثابة إنتحار مسيحي شامل، على الصعيد الوطني اللبناني في المرحلة الحاسمة التي تتبدّل فيها الأنظمة، وتتعدّل الحدود ولا يعرف إلى أين المصير على صعيد المنطقة برمتها!
لقد أدى الحوار، في مرحلته الأولية، الى استرخاء مسيحي اشتقنا اليه منذ عقود. فمجرد أن يقال إن إبراهيم كنعان في معراب أو إن ملحم رياشي في الرابية، أو إنهما إجتمعا معاً هنا أو هناك يصدر من أعماق الحضور عبارة: «خي… بس دخيلكم شهّلوا»، (أي ان الناس تطلب بعضاً من السرعة، طبعا لا التسرّع).
وبعض ما تسرّب من كلام عن بداية فشل أصاب الكثيرين بـ … الهلع! إلى أن أعاد كلام الدكتور جعجع، أمس، جرعة بارزة من الطمأنينة.