هل تتبدل أدوار النواب حيال جلسات الانتخاب؟
عون ـ جعجع.. ومحاولة «تطويق» فرنجية
غادر سليمان فرنجية في زيارة باريسية خاصة، يتداخل فيها السياسي بالشخصي. صار مدركا ان ظروف المنطقة وتطوراتها المتسارعة سعوديا وايرانيا، فرملت مؤقتا مبادرة سعد الحريري الرئاسية، والحكمة تقتضي مجاراة الواقع وانتظار نضوج ظروف اعادة احيائها من جديد. يرصد الضجيج والانفعال حيال تصدّره نادي الترشيح لرئاسة الجمهورية، ومع ذلك لا كلام حتى اشعار آخر، الا اذا استدعت الضرورة القصوى عدم السكوت عن الكلام المباح.
على الضفة الاخرى، ميشال عون وسمير جعجع، جمعتهما المصيبة، تحولا من «خصمين لدودين» الى «حليفين». التقيا على هدف قطع طريق الرئاسة امام فرنجية. وها هما منهمكان في التفكير ورسم الخطط، واقتربا من صياغة تفاهم بينهما، لاحباط «مبادرة الحريري»، النائمة حاليا، لكنها ما تزال تقدم سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، ولكن مع وقف التنفيذ حتى الآن.
المواكبون لحركة «حليفي الضرورة» يقاربونها كانعكاس للقلق الذي يجتاح الرابية ومعراب. كلاهما مُستفَز، عون يشعر ان هناك من انتزع ما هو حق حصري له، واما جعجع فاكثر استفزازا، ليس فقط من امكان وصول ابن طوني فرنجية الى رئاسة الجمهورية، بل لأنه ظهر مع المبادرة الرئاسية كـ «صفر» على شمال سعد الحريري لا رأي له، ولا موقع.
كلاهما يخوض «معركة مصيرية»، ويسعيان عبر «تفاهم مشترك بينهما» الى خلق وقائع جديدة وخلط الاوراق الرئاسية، وبالتالي تكرار سيناريو العام 1988 عندما اشترك الرجلان في قطع الطريق على وصول سليمان فرنجية الجد، الى رئاسة الجمهورية. هنا يحضر السؤال التالي: هل سيعلن هذا التفاهم فعلا؟ وهل سيتمكنان من اعادة خلط الاوراق؟
نوايا «الحليفين» تؤشر الى أنهما ذاهبان نحو تفاهم سياسي بمفاعيل «شراكة وتعاون وتنسيق وتحالف» آنية ومستقبلية، يبدأ بإعلان جعجع تبنيه ترشيح عون لرئاسة الجمهورية. لكن المواكبين لحركة الحليفين، يرون ان العبرة تبقى في ترجمة تلك النوايا، وخاصة الشق المتعلق بنوايا جعجع، الى افعال حقيقية.
ولأن لا وقت محددا لإعلان الحلف الجديد، فإن التريّث في الترجمة، وكذلك استعجالها، يبقيان احتمالين متعادلين حتى الآن. تبعا لما يلي:
– رأي يقول ان لترجمة تلك النوايا، تداعيات فورية على مجمل المشهد الداخلي، بدءًا بالزلزال الذي سيضرب حتما العلاقة بين جعجع والحريري، ويشكل خاتمة لتحالفهما منذ العام 2005. وكذلك القطع مع السعودية التي ترعى مبادرة الحريري، ومن الصعب الاعتقاد بان جعجع يغامر بعلاقته مع السعودية وبما تمثله من حاضن وداعم له.
– رأي آخر يجزم أن للتفاهم الرئاسي العوني ـ القواتي، فائدة معنوية، آنية وعلى المدى المتوسط لميشال عون، على اعتبار ان جعجع يكرس له الزعامة على الشريحة المسيحية الاكبر. واما على المدى البعيد فإن المستفيد الوحيد هو جعجع باستقطاب (لاحقا) الشريحة الكبرى من جمهور عون.
– رأي ثالث يقول ان اقصى ما يمكن ان يحققه تفاهم عون وجعجع، هو احداث صخب اعلامي في زمن المبادرة الرئاسية، من دون التمكن من فرض متغيرات على الارض. فلا تيار «المستقبل» استطاع قبل المبادرة ان يوصل جعجع الى رئاسة الجمهورية، ولا «حزب الله» استطاع ان يوصل عون الى رئاسة الجمهورية، وبالتالي جعجع وعون لا يملكان القدرة على ايصال اي منهما الى رئاسة الجمهورية. ما يعني انهما يدوران في حلقة مفرغة.
– رأي رابع يقول ان هذا التفاهم سيؤدي الى تكبير المشكل الداخلي، قد يعتقد عون ان مجرد تبني ترشيحه من قبل جعجع يزيل كل الموانع امام انعقاد جلسة انتخابية لمجلس النواب لانتخابه رئيسا للجمهورية. قد لا يمانع «حزب الله»، ولكن العقدة الكبرى ستتبدى في اعتراض تيار «المستقبل»، وكذلك وليد جنبلاط. واما الرئيس نبيه بري فبرغم انه قد يترك الحرية لكتلته، فهو لن يسجل عليه عقد جلسة لا ميثاقية لمجلس النواب يغيب عنها مكون اساسي.
بالتالي، اكثر ما يمكن ان يحصل بعد ترشيح جعجع لعون، هو تبدل في الصورة النيابية، اذ بدل ان يدعى الى جلسات انتخابية بمرشح وحيد هو جعجع، يدعى الى جلسات مماثلة بمرشح وحيد هو عون، والى اجل غير مسمى، فيتبادل النواب الادوار، ومن تغيب عن الجلسات بالامس يحضر، ومن حضر يتغيب، بحيث يحضر نواب «القوات» و «تكتل التغيير» و «حزب الله»، مع كتلة بري انسجاما مع كيفية تعاطيه مع الجلسات السابقة (وكل هؤلاء لا يشكلون الاكثرية المطلوبة للانتخاب سواء الثلثين او النصف زائدا واحدا) وفي المقابل يغيب نواب «المستقبل» و «اللقاء الديموقراطي» و «المردة» و «المستقلين».. وربما «الكتائب».
ـ رأي خامس متحمس لمبادرة الحريري، يعتبر ان تفاهم عون ـ جعجع «انفعالي كيدي»، لن يوصل الى مكان، قد يحاول جعجع من خلاله ان يظهر بمظهر القادر على قلب معادلات او فرض رؤساء، وهذا لا يعني انه سيتمكن من ذلك، وواضح سعيه مع عون الى قطع الطريق على فرنجية، ومحاولة عزله مسيحيا.
قد تحدث بعض الجلبة السياسية، لكن ذلك لن يغير في واقع التسوية الرئاسية المطروحة شيئا. ثم كيف تستقيم لغة العزل، طالما ان فرنجية هو الوحيد الذي يمتطي صهوة مبادرة جدية، مؤيدة من الشريحة الواسعة من اللبنانيين؟