يمكن القول إنّ الحوار بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» قد انطلق، وذلك قبل لقاء زعيمي الحزبين النائب ميشال عون والدكتور سمير جعجع.
رفع الدعاوى المتبادل والمتزامن جاء كمبادرة حسن نيّات تؤكّد، بحسب أحد المعنيين، «جديّة «التيار» و«القوات» في التأسيس لحوار راسخ ومُنتج».
ثمّة خطوات سياسية وملفات تُدرس ملفاً تلو الآخر بين المفوّضين، وتُرفع الى القيادات تحضيراً للقاء «الجنرال والحكيم»، أمّا الروحية التي تسود الاجتماعات فقد تمّ وضعها بين معادلتين:
ـ الاستثمار بنحو موسّع في نقاط التفاهم والالتقاء.
ـ التهدئة والتبريد في نقاط الاختلاف.
أمّا اللقاء بين عون وجعجع فليس قريباً ولا بعيداً، انما ينتظر الانتهاء من درس الملفات التي ستكون محور الاجتماع بغية إنجاحه وإعطائه زخماً «لبنانياً ومسيحياً». وفي هذا المعنى يكون الاجتماع الاول إعلاناً عن الانتهاء من درس الملفات والتفاهم عليها، وليس للصورة فقط، على أن يتمّ في كل اجتماع يحصل مناقشة أحد الملفات وتحديد موعد اللقاء الذي يليه، وهذا يعني وجود أكثر من جلسة حوارية ثنائية بين عون ـ جعجع وصولاً الى إعلان نتائج اللقاءات والبنود التي تمّ الاتفاق عليها.
تنفي أوساط، على صِلة بالتحضيرات الجارية، الوصول الى بند رئاسة الجمهورية وتقاسم الحصص الوزارية والنيابية، وتؤكد أنّ ما أشيع حول هذا الامر يهدف الى عرقلته وإحباطه، فالنقاش لا يزال في مراحله الاولى ولم يصل الى الغوص في كل هذه التفاصيل.
موضوع «الشراكة المسيحية» في الدولة وعلى المستوى الوطني سيكون العنوان الأبرز، بحسب الاوساط نفسها، وهذا عنوان واسع وكبير ولا ينحصر برئاسة الجمهورية، بل بمجمل القرار الوطني والممارسة ضمن الدولة.
الحوار بين «حزب الله» وتيار«المستقبل» يريح الأفرقاء المسيحيين، ولكنه ليس السبب المباشر للتواصل بين «التيار» و»القوات»، ففكرة اللقاء أصلاً موجودة وقائمة استناداً الى الواقع المسيحي الداخلي والظروف التي تمر بها المنطقة وأثرها على مسيحيي الشرق.
ثمّة حرب وجودية على المسيحيين المشرقيين، ومن واجب المسيحيين اللبنانيين، بصفتهم الأكثر قوة وقدرة وحضوراً وتواصلاً سياسياً مع الدول العربية والاقليمية والمجتمع الدولي، اتخاذ موقف موحّد ممّا يجري والقيام بمبادرات «إنقاذية» في هذا الشأن.
في الامكان اعتبار الحوار بين «حزب الله» وتيار»المستقبل» من عوامل نجاح التواصل بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، لأنه أنزل عن كاهليهما اثقالاً متصلة بالتحالف والوقوف عند خاطر هذا الحليف او ذاك، وهو في هذا السياق موضع ترحيب مسيحي عام لا يقتصر على الحزبين الأبرزين في الشارع المسيحي.
الكنيسة على علم بمجريات التواصل، وهي تبارك حكماً ايّ حوار لبناني ومسيحي، لكنها ليست في صلب المناقشات وتفاصيل التحضيرات الجارية لعقد الاجتماع الاول.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو انّ بداية السنة الجديدة ستحمل عنوان «الحوار والتواصل» بين الافرقاء اللبنانيين. شَكل الحوار يؤكّد شكل الاصطفافات القائمة في البلد ووجود مشكلات جوهرية ينبغي البحث فيها. ولكنّ السؤال الابرز: هل ستكون القوى المحلية قادرة على تجاوز الأبعاد والأثقال الاقليمية والقفز فوقها؟
هذا السؤال ينسحب على كل الحوارات الجارية في البلد، ولا يقتصر على جهة دون أخرى، مع العلم بأنّ حوار «التيار»ـ «القوات» ينبغي أن يكون الأقل تأثراً بالعوامل الخارجية نظراً الى حجم ارتباطات الأطراف المسيحيين بالنزاع الاقليمي وأثره على لبنان.
وفي هذا الجانب يقول احد المثقفين المسيحيين: «إنّ الحضور المسيحي اليوم حاجة وطنية ومشرقية، ثمّة أدوار «تأسيسية» في هذا الشرق مُلقاة على المسيحيين اكثر من أيّ وقت مضى، وفي ظل النزاع القائم وظروف الاحتراب والفتنة بوسع المسيحيين اللبنانيين، اذا توحّدوا بالحد الادنى، أن يحدثوا فارقاً سياسياً يصبّ في مصلحة لبنان ويؤسس لنهضة مشرقية مسيحية ـ مسلمة تواجه التطرّف والتكفير ومنطق الإقصاء والإلغاء».