يسير التحضير للحوار الماروني بخطى أبطأ من ذلك الذي رافق الحوار السنّي ــــ الشيعي. ليس بين الطرفين الاولين ما بين الطرفين الآخرين من مشاريع اقليمية تضعهما في قلب نزاعاتها. بين الموارنة صراع على السلطة فحسب
ما افضى اليه الحوار الدائر بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، حتى الآن على الاقل، اكتفاؤه بتبادل أوراق عمل متضمنة رؤى متبادلة للفريقين حيال الدور المسيحي، وما يتوقعان ان يكون في الدولة والادارة، والتوازن الداخلي الذي يتطلبه. لا اتفاق على موعد وشيك للقاء الرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع، ولا جدول الاعمال بعد. وقد يكون من السهل على الزعيمين المارونيين البحث في معظم الملفات التي يختلفان عليها، ما خلا انتخابات رئاسة الجمهورية التي لا تحتاج ــــ في رأي كل منهما ــــ الى مزيد من المناقشة والاستمهال، شأن الملفات الاخرى، بل الى قرار وتدبير اجرائي فورا.
كلاهما افصح عن قراره المعلن على طرف نقيض من الآخر: لا يرى عون سوى ترشحه صالحا للمناقشة التي لا تعني، بالنسبة اليه، سوى استعداده للخوض مع محاوره في الضمانات وموقعه في العهد الجديد اللذين يطلبهما منه في مقابل تأييده له.
بينما يجد جعجع في تخلي محاوره عن الترشح مدخلاً جدياً الى اجراء الاستحقاق. على نحو كهذا، يمسي اجتماعهما عديم الجدوى اذا كان عليهما مقاربة الموضوع نفسه بالمواقف المسبقة اياها.
بالتأكيد سيعني اجتماع كهذا اخفاقا حتميا وخيبة لما يُنتظر منهما بعد استعادة الرجلين التواصل والحوار الجدي للمرة الاولى منذ عام 2006، وقد خلفا وراءهما سنوات من العداء مشابهة لاواخر الثمانينات. بل يتصرفان على ان الحوار الجديد يختلف بكليته عما دار بينهما مرارا على هامش الحوار الوطني عام 2006، ثم في جولات هذا الحوار في عهد الرئيس ميشال سليمان، وكذلك عن تشاورهما الذي رافق مناقشة اقتراح اللقاء الارثوذكسي ولقاءات بكركي، اقطابا وممثلين، بازاء قانون الانتخاب والاستحقاق الرئاسي. يتحدث الفريقان اليوم عن حوار يفضي الى تطبيع العلاقة بين عون وجعجع، لا الى تشاطرهما في تبادل المناورة.
في الايام الاخيرة اقترب جعجع من عون عندما تبنّى وجهة نظره القائلة بأن الجمهورية تتقدّم على الرئيس، ما اوحى بأنهما يتقاربان اكثر في خيارات مشتركة تمنح اجتماعهما المقبل فرصة نادرة للاتفاق. كلاهما مع الجمهورية اولا، من غير اهمال انتخاب الرئيس. كلاهما ايضا يريدان الاستحقاق الرئاسي بين ايدي المسيحيين اولا، قبل الحلفاء. كلاهما ايضا وايضا تصارحا من خلال قنوات التواصل بأن احدا منهما ليس في وراد التخلي عن حلفائه. الا ان ضوابط هذا الحوار لم تفسح في المجال تماما امام الاتفاق على انتخاب الرئيس.
لم ترمِ ملاقاة جعجع عون على اولوية الجمهورية على الرئيس، سوى تأكيد استمرار خلافهما على الامرين معا: اي جمهورية، وكيف السبيل الى انتخاب الرئيس؟
عون لجمهورية الرئيس القوي وجعجع لجمهورية لا مكان فيها لسلاح حزب الله
يتحدث عون عن جمهورية يراها على صورته تأتي بالرئيس المسيحي القوي الاكثر تمثيلا في طائفته، تطبّق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، وتضمن الدور المسيحي في شتى مواقع المعادلة الداخلية، اضف عناوين الاصلاح والتمسك بسلاح المقاومة التي يتناولها باستمرار. ليست هذه جمهورية جعجع بمناداته بدولة واحدة، وسيادة واحدة، وسلاح شرعي واحد. وهو بذلك يدلّ على مكمن تناقض فعلي يصعب تذليله بينه ورئيس تكتل التغيير والاصلاح، يرتبط بالدور الحالي لسلاح حزب الله في الداخل والخارج. يتحدث كل منهما عن جمهورية مغايرة للآخر، ما يقتضي ان تأتي كل من هاتين الجمهوريتين برئيس يختلف عن مرشح هذا او ذاك.
قد لا يكون هذا البند هو التناقض الوحيد بين الرجلين، الا انه أبرَزَ تعذّر مقاربتهما المباشرة وغير المباشرة للاستحقاق الرئاسي. مع ذلك لا تقلل الجهود المبذولة بينهما، الى ان يحين أوان اجتماعهما ــــ وقد لا يكون قريبا بالقدر الذي يتصوّره الساعون ــــ اهمية ان يستعيدا حوارهما. بل ادت مساعي التواصل غير المباشر بين عون وجعجع الى الملاحظتين الآتيتين:
1 ـ بين يدي كل منهما، باعتراف الآخر، فيتو لا يكتفي بعرقلة انتخاب منافسه، بل ايضا يحول دون حصول الاستحقاق ما لم يحظَ بموافقته المسبقة. يسلّم بعنصر القوة هذا حليفاهما الرئيسيان حزب الله وتيار المستقبل اللذان يجهران برفض انتخاب رئيس لا يرضى به الحليف المسيحي. الواضح ان في سر كل من عون وجعجع فيتو ضد مرشح واحد فقط لا يريد ان يصل الى الرئاسة: فيتو عون ضد قائد الجيش العماد جان قهوجي، وفيتو جعجع ضد النائب والوزير السابق جان عبيد. لا يرحبان كذلك بأي مرشحين سواهما داخل فريقي 8 و14 آذار، وكذلك الحال بالمرشحين المستقلين، الا ان تصويبهما المعلن هو على قهوجي وعبيد.
2 ـ سيكون من المستحيل توقع مبايعة جعجع عون الذي لا يتحدث سوى عن خياره هو، ويتصرف على انه متيقن من حظوظه، من دون ان يلمس حتى الان في احسن الاحوال استعداد الناخب السنّي الرئيسي للتخلي عن مرشحه. على مرّ حملته الانتخابية لتسعة اشهر خلت، تدرّج جعجع في الخيارات بدءا بترشحه في معزل عن حلفائه، مرورا بتأكيد حقه في الترشح ثم باصراره عليه، وصولا الى اقتراحه ثلاثة مخارج محتملة لمأزق الاستحقاق رفضها عون تباعا: ذهابهما كمرشحين الى مجلس النواب والاحتكام الى التصويت بعد تأمين نصاب الثلثين، او الذهاب الى المجلس بمرشحين سواهما يختاراهما فيتنافسان ويُحتكم ايضا الى التصويت على احدهما، او توافقهما على مرشح ثالث يذهبان به الى المجلس لانتخابه.
استدار جعجع 180 درجة من دون ان يتزحزح عون عن موقفه، فاذا النتيجة واحدة: نقيضان لا يصنعان رئيسا.
لعلّ صمام الامان الفعلي في نجاح حوار عون وجعجع ان لا يبحثا ابدا في انتخاب الرئيس.