فعلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ودعا لجلسة «تشريع الضرورة»، من دون أن يُدرِج مشروع قانون الانتخاب لا على رأس جدول الأعمال ولا في صلبه، كما كان يطالب «العونيّون» و«القواتيّون» على حدّ سواء.
صحيح أنّ كثيرين رأوا أنّ هذه الخطوة قد «تطيح» بمشروع الجلسة عن بكرة أبيها، وإن حدّد بري موعدها يومي الخميس والجمعة المقبلَين، وإن رفع السقف لحدوده العُليا قائلاً أنّه سيعقدها «بمن حضر»، ولو غابت الميثاقيّة عنها، إلا أنّ «الأستاذ» لم يكن لديه خيار آخر، وفق مصادر نيابية في كتلة «التنمية والتحرير»، باعتبار أنّ لا قانون انتخابٍ متوافَقٍ عليه لطرحه في الجلسة، وأنّ هناك سبعة عشر قانوناً مختلفًا من شأن طرحها جميعًا على التصويت تعقيد الأمور أكثر من حلحلتها.
وتؤكد هذه المصادر أنّ بري لم يدعُ إلى الجلسة بهذه الطريقة من باب «تحدّي» المسيحيين من قريبٍ أو من بعيد، وإن خرج بعض نوابه ليدعوهم للكفّ عن «الدلع والغنج» من باب «الضغط السياسي» لا أكثر ولا أقلّ، بدليل أنّ «الأستاذ» سعى لإرضاء الكتل المسيحية الأساسية، ولا سيما منها «التيار الوطني الحر»، من خلال إدراج مشروعي قانون استعادة الجنسية وتحويل عائدات الخلوي الى البلديات على جدول الأعمال، ما يعني أنّه يحاول إقناع الجميع بالمشاركة في الجلسة، التي أصبحت كـ«الشرّ الذي لا بدّ منه».
عمومًا، لم يحتج الأمر الكثير من التمحيص والتدقيق لفرز الكتل السياسية المختلفة من حيث الموقف من الجلسة «الموعودة»، تقول المصادر، التي تلفت إلى أنّ كتل «اللقاء الديمقراطي» و«الوفاء للمقاومة» و«المستقبل»، إلى جانب «التنمية والتحرير»، وما لفّ لفّهم، تؤيّد عقد هذه الجلسة بلا أيّ تحفّظ، مضافًا إليها كتلة «المردة» في الجانب المسيحي، والتي سبق لرئيسها النائب سليمان فرنجية أن أعلن مرارًا وتكرارًا نيّته المشاركة في أيّ جلسةٍ يدعو إليها بري، بغضّ النظر عن طبيعة جدول الأعمال. في المقابل، فإنّ كتلتي «الكتائب» و«القوات» ستقاطعان الجلسة على الأرجح، وإن اختلفت معاييرهما، باعتبار أنّ الأولى ترفض «التشريع» بالمُطلَق بغياب رئيس الجمهورية، وأياً كانت «المغريات» التي يمكن لبريّ أو غيره أن يقدّمها، في حين أنّ الثانية تربط المشاركة بإدراج قانون الانتخاب على غرار استعادة الجنسية على رأس جدول الأعمال.
وحده، موقف «التيار الوطني الحر» بقي ضبابيًا، فعلى الرغم من أنّ نائب «القوات» أنطوان زهرا أوحى أنّ موقف كتلته وكتلة «التيار» واحدٌ موحّدٌ في هذا الموضوع، إلا أنّ «العونيين» لم يحدّدوا موقفهم بشكلٍ واضح، وهم أبدوا في الأيام الأخيرة مرونة وليونة فائقتين في مقاربة الجلسة التشريعية، أوحت بأنّهم مستعدّون للمشاركة في الجلسة التشريعيّة إذا أدرِج قانون استعادة الجنسية، ولو لم يُدرَج قانون الانتخاب، وهو ما ألمح إليه رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل يوم الأحد الماضي، حين قال أنّ نواب تكتل «التغيير والاصلاح» وكتلة «القوات اللبنانية» لن يحضروا جلسة لمجلس النواب، ليس فيها بند استعادة الجنسية في أولوية جدول الأعمال.
برأي المصادر، فإنّ «التيار» يتريّث في إعلان موقفه النهائي من الجلسة، لأنّه عالِقٌ بين مطرقة «حلفائه»، وليس فقط «حليف الحليف»، وسندان «خصومه»، ولا سيما «القوات اللبنانية»، باعتبار أنّ هناك وجهة نظر تقول أنّ عدم سيره مع «القوات» في موقفٍ واحدٍ سيكون كفيلاً بنعي «إعلان النوايا»، خصوصًا بعدما عمل الجانبان على «إنعاشه» بُعيد المعارك الانتخابية النقابية الأخيرة، من خلال القول أنّ الاتفاق سيكون على الأمور الاستراتيجية، خصوصًا التي تعني المسيحيين، ويفترض أن يكون قانون الانتخاب على رأسها.
أما بالنسبة للحلفاء، فتلفت المصادر إلى أنّه لا يخفى على أحد أنّ «حزب الله» من أشدّ المؤيّدين لعقد الجلسة التشريعة إلى جانب بري، وهو الذي أعلن رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد أنّه لا يؤمن أصلاً بشيءٍ اسمه «تشريع ضرورة»، إذ يعتبر أنّ التشريع بشكلٍ عام يجب أن يكون مفتوحًا من دون قيود، وذلك منعًا لدخول البلد في «الفراغ الشامل» كما هو حاصل اليوم، طالما أنّ الشغور الرئاسي مستمرّ على ما يبدو «إلى ما شاء الله».
لهذا وذاك، ترى المصادر أنّ «الجنرال» بات في موقفٍ لا يُحسَد عليه، فمن جهة يضغط عليه حلفاؤه للمشاركة في الجلسة التشريعية، ومن جهةٍ ثانية هو يتمسّك بورقة إعلان النوايا مع «القوات» ويرفض التفريط بها بأيّ شكلٍ من الأشكال، من دون أن ننسى «الضغط المعنوي» الذي قد يتعرّض له، فيما لو خالف «شبه الإجماع المسيحي» على «المقاطعة»، وافتُتِح عندها «بازار المزايدات» في الساحة المسيحية، وخرج من يصوّره بأنّه من يشرّع عملية «التطبيع مع الفراغ»، وكأنّه لا يأبه للفراغ في الموقع المسيحي الأول.
من هنا، ترجّح المصادر أن لا يعلن «التيار الوطني الحر» موقفه النهائي من الجلسة التشريعية قبل «ربع الساعة الأخير» الذي يسبق الجلسة، باعتبار أنّ هناك متسعًا من الوقت لا يزال يفصل عن موعد الجلسة، ما يعني أنّ الباب سيكون مشرّعًا خلالها للاتصالات والمشاورات، خصوصًا أنّه مقتنعٌ أنّ بري لن يعقد الجلسة من دون الميثاقية التي يؤمّنها وحده، ولو قال عكس ذلك. وترى المصادر أنّ «الجنرال» قد «يهدي» جلسة «تشريع الضرورة» الميثاقية المطلوبة، ولكنّه لن يفعل ذلك سوى مقابل «تفسيراتٍ» وربما «ضماناتٍ» يمكن توظيفها واستخدامها في الشارع.
هكذا إذاً، لن يفصح «العونيّون» عن قرارهم النهائي إزاء الجلسة التشريعية حتى اللحظة الأخيرة. هو قرارٌ لن يكون فقط مرهونًا بنتائج الاتصالات التي تفصل عن الجلسة، ولكنّه قبل هذا وبعده خاضعٌ لميزان الربح والخسارة، وهنا بيت القصيد…