لم يترك المسؤولون اللبنانيون صفة سيّئة أو شتيمة إلا وألصقوها ببعضهم البعض، حتّى وصل الحال بأن اتّهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري بالكذب. والسؤال الملحّ هنا: كيف يمكن لهذين الرجلين أن يتعاونا مع بعضهما البعض، وفي الحقيقة أنّ أحدهما لا يطيق الآخر؟
ليس هذا هو الاتّهام الوحيد بين مسؤولين وسياسيين في لبنان، فجميعهم يتّهمون بعضهم البعض بالفساد والسرقة، وهذه الاتّهامات ليست في الغرف المغلقة والكواليس، بل هي في العلن، وعبر وسائل الإعلام، ومن على المنابر. والمفارقة أنّ جميع هؤلاء لا أحد منهم يرغب في التخلّي عن جنّة الحكم، ويرضى أن يشترك فيها مع من اتّهمه بالكذب والفساد والسرقة والبلطجة.
هذا الواقع لا يؤشّر أبداً إلى أنّ هذه الطبقة من السياسيين والمسؤولين قادرة على إنقاذ البلد، بل هي الوسيلة الفضلى لإغراقه وإغراق مواطنيه في المزيد من الفوضى وانعدام المسؤولية والرؤية. ويتوافق هذا الواقع المؤلم مع من يريد وضع اليد على البلد في شكل نهائي، إذ يريحه أن يواصل هؤلاء التقاتل على ما تبقّى من أشلاء وأطلال لهذه الدولة والمجتمع، فيما يسعى هو إلى بناء وتعزيز دويلته، وفرض خياراتها الإقليمية ونمط عيشها على كلّ الشرائح اللبنانية التي تتلهّى، إمّا بالدفاع عن زعيمها وطائفتها، وإمّا بكيفية تأمين الحدّ الأدنى من العيش المحترم واللائق، في بلد أصبح فيه الترف والفرح والاستقرار والازدهار والانفتاح جريمة ترقى إلى الخيانة.
هذه الطبقة من المسؤولين والسياسيين وضعت لبنان في مواجهة كلّ العالم المتحضّر والمتقدّم، وجعلت منه نموذجاً للدول المتخلّفة والفاشلة، مُتذرّعة بأنّ حصاراً يضرب علينا من هنا أو من هناك، وبمؤامرات تُحاك في تل أبيب وواشنطن. ولكن واقع الحال، أنّ الحصار الذي يعيشه الشعب اللبناني معيشياً واقتصادياً ومالياً، هو من نتاج هذه الطبقة التي كان الكثيرون منها مشاركين في الحكم على مدى عقود، وأنّ المؤامرة الحقيقية هي حفاظ هؤلاء على مواقعهم في السلطة، يشاركهم فيها المستفيدون منهم عن قصد. أمّا المستفيدون عن غير قصد فهم في صفوف الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوّة، فلا يفتحون أفواههم بالإعتراض خوفاً من أن يحاصر أصحاب الحلّ والربط لقمة العيش التي ما زالوا يحصلون عليها جرّاء ولائهم الأعمى.
لا خلاص للبنان إلا بإبعاد هذه الطبقة عن مركز الحكم والقرار، هؤلاء لن يتركوا ما هم فيه من نعيم تلقائياً وبإرادتهم، هؤلاء يحتاجون إلى من يُبعدهم عن المواقع التي هم فيها، والإبعاد يكون إمّا بالحسنى وإمّا بالقوّة، والقوّة الأفعل هي قوّة الناس، بصرخاتهم وأصواتهم واحتجاجاتهم وجرأتهم لكسر حاجز الخوف والحاجة، ومتى انكسر انهزم هؤلاء.