IMLebanon

ماذا بعد تجاوُز عقدة اتصال عون بالحريري؟

 

لن يعتذر عن التأليف. لكن ماذا بعد حصول هذا الاتصال؟ أو استئناف لقاءات التأليف، بمعزل عمّن يتصل بمن وكيف يُحدّد موعد اللقاء، في ظلّ فقدان التواصل التلقائي بين الرجلين وغياب «اتصال الثقة» بينهما؟

سبق أن أوحى الرئيس عون قبل تكليف الحريري بأنّه يُفضّل عدم عودة رئيس تيار «المستقبل» الى رئاسة الحكومة، وترجم «التيار الوطني الحر» انتهاء التسوية مع الحريري بعدم تسميته ليُكلّف التأليف. إلّا أنّ الغالبية النيابية ألزمت عون تكليف الحريري.

 

وفي حين يؤكّد فريق عون أنّ الفيديو المُسرّب من لقاء عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الأسبوع الماضي، هو مجرّد خطأ تقني وغير مُسرّب قصداً، فإنّ فريق تيار «المستقبل» مقتنع بأنّه مُسرّب عن سابق تصوُّر وتصميم من القصر الجمهوري، بهدف دفع الحريري الى ردّة فعل شخصية والاعتذار عن التأليف، و»هذا ما أفشلناه». ويستمرّ هؤلاء في تأكيد أنّ «العهد وفريقه يتحمّلان مسؤولية التعطيل وما سيحلّ في البلد».

 

ويعبّرون عن ارتياحهم لمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خصوصاً لجهة التشديد على حكومة اختصاصيين غير حزبيين، ولجهة دعوته عون الى المبادرة والاتصال بالحريري، وهذا ما يشدّد عليه «المستقبل»، إذ يُفترض «أخلاقياً بعون الاتصال بالحريري بعد الكلام الذي قاله بحقه». ويعتبر فريق الحريري أنّ مواقف الراعي تدحض «إدعاء عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بأنّ هناك تعدياً على حقوق المسيحيين».

 

وبعد أن ساهم الوقت في التخفيف من حدّة تداعيات الشريط المُسجّل المُسرّب لعون، عاد الوسطاء الى الخط الحكومي لترطيب الأجواء بين عون والحريري، تمهيداً لعقد لقاء بينهما، واستكمال مشاورات التأليف، ثمّ حلّ العقد القائمة منذ ما قبل هذا الفيديو.

 

هذه الوساطات بدأت مع تحرُّك المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أمس الأوّل على خط بعبدا – بيت الوسط. وتقول مصادر مطلعة، إنّ «الوساطات ما زالت في بداياتها، ولا يُمكن القول إنّها وصلت الى خواتيمها، لكن التحرّك والكلام حكومياً بدأ، وهذا أمر جيّد». وتشير الى «أنّه لا يُمكن الآن الدخول في تفاصيل التأليف قبل أن يهدأ المناخ، بعد تداعيات الفيديو المُسّرب»، معتبرةّ أنّ «نهاية التسجيل بدأت»، وأنّ «تداعيات هذا الفيديو لم تعد بالحدّة نفسها مثل الأسبوع الماضي، ويبقى الاتفاق على الإخراج للدخول في العلاج، لكن الأمور تأخذ مداها، ويجب إعطاؤها وقتها. فهناك بدايات على أمل أن تستمرّ».

 

وتشير المصادر نفسها، الى «أنّنا نعالج قصة غير مألوفة. ففي حين من المألوف أن يشتم السياسيون بعضهم البعض، إلّا أنّ هذا الفيديو أخذ منحى آخر، ويجب ترطيب الأجواء، ومتى حصل ذلك فإنّ استئناف لقاءات التأليف ليست مستحيلة، ويُمكن إيجاد حلّ للتأليف إذا كان هناك إرادة لهذا الحلّ».

 

وفي حين يعتبر البعض، أنّ اتصال عون بالحريري كافٍ لإعادة مياه التأليف الى مجاريها، يعمّ الصمت في القصر الجمهوري عند السؤال إذا كان عون سيُقدم على هذه الخطوة، في مقابل التأكيد أنّ «الرئيس حريص على إنهاء الملف الحكومي بسرعة، وأن لا يشهد مزيداً من التأخير، كذلك هو حريص على التفاهم مع الحريري لتأليف الحكومة، ولا يوجد قرار مُسبق لعدم التفاهم أو رغبة في عدم التفاهم».

 

في الموازاة، يستمرّ تحرّك بكركي، بحيث أوفد الراعي أمس المطران بولس مطر للقاء الحريري. كذلك برزت أمس وساطة جديدة بدأها دياب، بين بعبدا – عين التينة – «بيت الوسط». فيما لا جديد من الفرنسيين على خط القصر الجمهوري. وتؤكّد مصادر مطلعة، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يعمل من جهته على صعيد التأليف لكن بـ«صمت».

 

كذلك يحلّ «الصمت» في القصر الجمهوري عند السؤال عمّا إذا كان عون يرغب في اعتذار الحريري. فيما يجري تأكيد أنّ عون لا يتصرف من منطلق مسيحي، مثلما يتهمه فريق «المستقبل»، بل من منطلق وطني، إذ إنّ «أي خلل يحصل في تمثيل أي فريق حكومياً ينعكس على وضع البلد كلّه، ويؤدّي الى حالات غير سوية». كذلك يجري تأكيد أنّ عون «لم يتصرف مرة طائفياً»، فيما أنّ الكتل النيابية المسيحية منكفئة، خصوصاً أكبر حزبين مسيحيين، فـ«التيار الوطني الحر» منكفئ ولا يريد أن يتمثل في الحكومة ولم يُسمِّ الحريري، كذلك حزب «القوات اللبنانية»، وبالتالي بات على عاتق عون أن يؤمّن التوازن الوطني من خلال الوزراء الذين سيسمّيهم، وبات على عاتقه تحديد تمثيل المسيحيين في الحكومة، الذي يجب أن يكون ضمن إطار عادل، وأن لا يكون هناك من غبن لأي فريق، فـ«الرئيس أمين على التوازن الوطني».

 

وعن اعتبار فريق الحريري أنّ إصرار عون على تسمية وزراء سيؤدّي إلى «تخريب» ما يقوم به مع الأفرقاء الآخرين لجهة عدم التدخُّل في التسمية، يؤكّد قريبون من عون، أنّ الرئيس يُسمّي بدوره ولا يأخذ من أحد لا من «التيار» ولا من «القوات» أو من غيرهما أسماءً، فهو شريك في التأليف ويُسمّي أشخاصاً يُمكن أن يكونوا وزراء، ويراعون المعايير الموضوعة لهذه الحكومة، لجهة الاختصاص والكفاية والخبرة.

 

في ظلّ هذا التباين بين عون والحريري، تسأل أوساط معارضة: «أي حكومة وأي قرارات وأي تفاهم وأي نقاش سيجري على طاولة مجلس الوزراء في حال أُلّفت الحكومة». الجواب من القصر الجمهوري: «هذه فرضية وتحليلات». أمّا جواب فريق الحريري، فهو، أنّ «الاحتكام الى النصوص الدستورية يضمن التعايش بين الرئيسين، مثلما أظهرت التجربة اللبنانية، شرط توافُر الإرادة للمضي قدماً لمصلحة البلد، وهذه الإرادة متوافرة لدى الحريري».