حصول العهد على «الرضى» السعودي «حلم ابليس في الجنة»
دياب يرد على نصرالله باعادة «كرة» تفعيل الحكومة الى بري!
«لعب اولاد صغار»، هكذا وصفت مصادر دبلوماسية في بيروت معركة «طواحين الهواء» بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في خضم ازمة سياسية واقتصادية خطرة تهدد بانهيار «الهيكل» فوق رأس الجميع فيما يجري رفع «السواتر» وحفر «الخنادق» المسيئة لموقع الطرفين الدستوري، ويدخلهما في مواجهة ستصنف بانها الاسوأ لجهة الادوات المستخدمة فيها، بينما كان بالامكان «ملء فراغ» ازمة الثقة بين طرفين شريكين في آخر سنوات الانهيار، بمقاربات سياسية ودستورية تضع البلاد في «الثلاجة» بانتظار تبلور الحلول الخارجية التي ستضع الرجلين على طاولة واحدة متى حان وقتها، لكن الاصرار على ارتكاب الاخطاء من كلا الجانبين يطرح اكثر من علامة استفهام حول اهلية اصحاب القرار الفعليين المحيطين برئيس الجمهورية والرئيس المكلف اللذين يكلفان الرجلين المزيد من «ماء الوجه» ويظهرانهما غير مؤهلين لقيادة دفة البلاد الانقاذية بعدما اخفقا سابقاً في استغلال التسوية الرئاسية لتحقيق نجاحات لم يعد بالامكان الرهان على حصولها بعد الانهيار الكبير.
وفي هذا السياق، لا تخفي تلك المصادر وجود حالة من «الاستياء» لدى باريس من الطرفين، وغير صحيح ان العتب على جهة واحدة، فحالة الاسفاف، والانحطاط السياسي في ادارة الملف الحكومي، لا تبرأ منها بعبدا او بيت الوسط، حيث ترتكب الاخطاء من الجانبين، ويعتقد الفرنسيون ان ما يحصل راهنا بات يطرح اكثر من علامة استفهام حول حسن سير الحكومة المقبلة، التي تتشكل مهما طال الزمن، بعدما وصل «الكباش» السياسي الى مراحل مقلقة تهدد بتفجير مجلس الوزراء من الداخل وتدخل لبنان في ازمة جديدة سيكون عنوانها التعطيل المتبادل، ما يعني اضاعة المزيد من الفرص امام انقاذ الوضع المالي والاقتصادي، خصوصا ان كلا الطرفين يريدان تسجيل «النقاط» على الآخر، ولا يبدو انهما معنيان بانجاح المبادرة الفرنسية، مهما حاولا ادعاء عكس ذلك… ولا ينسى الفرنسيون شروط الحريري «التعجيزية» التي اجهضت فرص مصطفى اديب الحكومية، ولا يتفهمون اليوم عدم مرونته في الحصة المسيحية، وفي المقابل، يشعرون بالخيبة من اداء الرئاسة الاولى الاستفزازي باتجاه الحريري، ولا يؤيدون محاولات احراجه لاخراجه وطالما نصحوا بعدم قطع «الجسور» معه لان الجميع محكومون بالتوافق في نهاية المطاف.
وفي هذا الاطار، لم تجد الرسالة التي أرسلها رئيس الجمهورية إلى بيت الوسط ليملأ الفراغات بالأسماء المناسبة، الكثير من المؤيدين في الداخل والخارج، ووفقاً لاوساط مطلعة لم يستمع الرئيس عون الى نصائح اكثر من جهة حليفة بعدم الاقدام على هذه الخطوة الاستفزازية لانها ستدفع الحريري الى «الرد باسوأ منها»، ولن يتجه نحو الاعتذار، كما كان الظن، ولهذا كانت خطوة في المجهول تعيد الامور الى نقطة الصفر وتزيد الامور تعقيدا، لكن ثمة قرار معلوم- مجهول لدى رئيس الجمهورية بعدم الرغبة في التعاون مع الحريري، ويساعد في ذلك اصرار الرئيس المكلف على اعتماد صيغ حكومية غير قابلة للحياة لدى بعبدا، ما يمنح عون وفريقه السياسي الاعذار لعدم تسهيل مهمة التأليف التي لم تنضج بعد. ومن الواضح راهناً ان كلا الطرفين يعمل على تحميل الطرف الآخر المسؤولية، مع العلم انهما يدركان عدم قدرتهما على الاستمرار في «المناورة»، اذا ما جاء «الضوء الاخضر» الخارجي… اذا ما الداعي لكل هذا التهشيم المتبادل «للصورة» في وقت يدرك الجميع ان التعايش قدر لا مفر منه؟
اما ما يثير الاستغراب في هذا الصراع فهو لجوء كلا الطرفين الى الخارج تارة «للتشبيح» وطورا «للاستقواء»، مع العلم، ان لبنان لا يحتل اليوم اي اهمية في سلم اولويات اي من الدول الفاعلة او الهامشية، فالرئيس المكلف الذي قضى جل وقته بالتنقل بين عواصم خليجية واقليمية واوروبية يدرك سلفاً ان زيارته لا تقدم ولا تؤخر في المواجهة مع رئيس الجمهورية، لان تلك الدول لا تملك الادوات الجدية للتاثير عليه لدفعه لتقديم تنازلات جوهرية تمس بعهده، وبمستقبل تياره السياسي، فبعد العقوبات الاميركية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يعد فريق الرئيس يخشى من «البلل»، وقد سحب استعجال الادارة الاميركية الراحلة من مناوئي العهد «ورقة» ابتزاز قيمة نجحت في اكثر من محطة في الماضي، لكن بما انه حكم على المستقبل السياسي لباسيل «بالاعدام» فان الاستراتيجية الجديدة عنوانها «من بعدي الطوفان»، لهذا يبدو حراك الحريري في غير مكانه وتضييع للوقت والجهد.
في المقابل، لن يكتب النجاح لمحاولة الرئيس عون تطويق الحريري من خلال شرح وجهة نظره لسفيري السعودية، وفرنسا بعدما تردد عن محاولة لاستمزاج رأي السفير السعودي وليد البخاري في اختيار اسم بديل لرئاسة الحكومة غير سعد الحريري لتتم الموافقة عليه، فاذا كان الجفاء بين المملكة والحريري، امرا واقعا لا ربية فيه، وترجم بعدم استقباله في الرياض حتى الان، فان حصول خرق في العلاقة بين العهد والمملكة يشبه «حلم ابليس في الجنة» كما تقول اوساط دبلوماسية، لان اساس «المشكل» السعودي مع الحريري هو انتخاب عون الذي جرى على مسؤولية الرئيس المكلف الذي يدفع اليوم ثمن خياراته، فرئيس الجمهورية ينظر اليه سعوديا بانه الحليف الاول لحزب الله وليس اي شيء آخر، واي اتجاه لرفع «الفيتو» عنه ثمنه التخلي عن هذا التحالف، وهو امر لا يريده الرئيس ولا قدره له عليه، ولهذا لن تغير المملكة مواقفها وسياساتها القائمة على عدم تقديم اي فرصة لنجاح العهد، وكل رهانات اخرى تبقى مجرد اوهام «ولعب» في الوقت الضائع!
وفي الخلاصة، ومع عودة الملف الحكومي الى نقطة الصفر، وامام المعضلة الدستورية التي لا تسمح لاي من الرئاستين فرض تشكيلة أحادية، او اجبار الآخر على التراجع، ستبقى المراوحة سيدة الموقف بانتظار تفاهمات خارجية، او انفجار داخلي يقلب «الطاولة» على الجميع، ولهذا ليس هناك الكثير من الأفكار والحلول للخروج من أزمة التأليف، وتبقى الفرصة المتاحة في تفعيل حكومة الرئيس حسن دياب، لان اجراء تعديلات دستورية لفك شيفرة التكليف دونها عقبات طائفية، وفي هذا السياق، اعاد رئيس الحكومة المستقيل بالامس «الكرة» الى «ملعب» رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما طالبه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالقيام بدوره دون شروط، ووفقاً للمعلومات، اراد دياب رفع تهمة التقاعس عنه «ولسان حاله» يقول الى السيد نصرالله «المشكلة ليست عندي بل في عين التينة»، اقنعوا رئاسة المجلس النيابي بتفسير حدود تصريف الاعمال، وانا جاهز!