بدت العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري عرضة لكثير من اللغط خلال الايام الماضية، على وقع تفاقم الأزمة الاقتصادية- المالية وتصاعد الاحتجاجات الشعبية في الشارع. لكن العارفين ببواطن هذه العلاقة يؤكّدون انه لا يوجد قرار عند اي من طرفيها بنسفها، وإن يكن كل منهما يسعى باستمرار الى تحسين شروطه تحت سقفها.
يدرك عون والحريري انّ وظيفة «الائتلاف» بينهما لم تنتهِ بعد، وإن يكن «تآلفهما» ليس ثابتاً على الدوام، تبعاً لطبيعة الملفات التي تواجههما ونمط كل منهما في التعامل معها. هناك خط أحمر وحيد بالنسبة الى عون، وهو ألّا تتحوّل الحكومة «حصان طروادة» لمحاربة العهد من داخله، تحت طائلة المسؤولية. أمّا كل ما دون ذلك فيبقى قابلاً للأخذ والرد، إنما مع الأخذ في الاعتبار أنّ الوقت الذي يضيق أمام فرص الإنقاذ لم يعد يسمح بأي استرخاء.
بهذا المعنى، تؤكّد أوساط واسعة الاطلاع في «التيار الوطني الحر»، أنّ عون حريص على أن تكون «شراكته مع الحريري في السلطة محصّنة بالانجازات والتفاهمات، خصوصاً على صعيد الوضع الاقتصادي- المالي الذي يحتاج الى مقاربة مغايرة عن تلك التي سادت في المراحل السابقة».
وتلفت الاوساط الى أنّ عون يأمل في ان يتمكن الحريري من مواكبة إيقاعه، وان «يخرج من المنطقة الرمادية التي يقيم فيها أحياناً في الاتجاه الذي يقود الى تفعيل المعالجات المطلوبة للأزمات، واتخاذ القرارات الضرروية والشُجاعة التي لم يعد يجوز تأجيلها أو التملّص منها مهما كانت فاتورتها مرتفعة».
وتؤكّد الاوساط البرتقالية، أنّ رئيس الجمهورية لم يفقد الأمل في الحريري، «وهو لا يزال يحسبه في صف القوى المتعاونة والمتحسسة بالمسؤولية، لا في صف المزايدين او المتربصين بالعهد. إلّا أنّ هذا لا ينفي أنه ينتظر من رئيس الحكومة مزيداً من التناغم معه، على قاعدة ما تقتضيه متطلبات مواجهة المأزق الحالي».
وتوضح الأوساط، أنّ عون يأمل في أن يجد الى جانبه الحريري «الشُجاع والشريك في الانقاذ، لأنّ المرحلة تحتاج الى أبطال وأصحاب قرارات جريئة»، مشدّدة على انّ «رئيس الحكومة مُطالب بتكريس صورة رجل الدولة وفك الارتباطات او الاتفاقيات الجانبية مع اي كان، لحساب تزخيم التعاون بينه وبين رئيس الجمهورية، وعليه ألا يقلق، لأنّ الرهان على عون لا يخسر».
وتعليقاً على ما تهمس به بعض الدوائر السياسية حول ضرورة تغيير الحكومة ورئيسها سعد الحريري، للخروج من المأزق الراهن، يؤكّد قيادي في فريق 8 آذار أنّه يعارض هذا الطرح كلياً، «ربطاً بأسباب استراتيجية تتعلق بوجوب تعزيز المناعة الداخلية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ فيها لبنان».
ويُنقل عن القيادي قوله في مجلس خاص: «أنا ضد اسقاط الحريري في هذا التوقيت الحساس، وإذا كان هناك من يظن انّ مصلحة خطنا الاستراتيجي تكمن في إقصائه عن رئاسة الحكومة في هذه اللحظة، فهو مخطئ في الاجتهاد. ومن الأفضل الآن عدم تكرار تجربة إبعاد الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس اميل لحود أو تجربة اسقاط الرئيس سعد الحريري من قِبل فريقنا السياسي في عهد الرئيس ميشال سليمان».
وينبّه القيادي إيّاه، في سياق عرضه محاذير سيناريو اسقاط الحريري، الى أنّ «اي طابور خامس أو طرف خارجي مشبوه قد يدخل على الخط حينها وينفّذ جريمة اغتيال سياسي، من شأنها ان تقلب المعادلة وتعيد إطلاق 14 آذار بزخم أقوى مما كانت عليه في السابق».
ويشدّد القيادي نفسه على انّ «مصلحة العهد ولبنان تتطلب تعزيز الشراكة الوطنية في مواجهة التحدّيات الصعبة الماثلة، على المستويين الاقتصادي والمالي، انما المحافظة على موقع الحريري في السلطة لا تعني ان يتخلّى الرئيس ميشال عون عن اي من حقوقه السياسية والدستورية».
ويؤكّد القيادي البارز في صفوف 8 آذار، أنّ «حزب الله» لا يزال ضد «تطيير» الحريري، «كذلك هو من بين أكثر الحريصين على حماية بنيان الدولة ومنع انهيارها، لأنّ سقوطها تحت وطأة الفوضى سيؤدي الى انكشافه وبقائه من غير مظلة».