اي مصير لاتفاق الطائف في ظل التموضع الحالي للقوى السياسية، وهل من مصلحة الحريري التمسك بموقفه الحالي الذي يفتح الباب امام احتمالات مجهولة تتعلق بالنظام، ام الذهاب الى تسوية سياسية تبقي اتفاق الطائف؟
قيل كل الكلام الذي يجب ان يقال عن ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، بعدما اعطت صورة اللقاء والبيان الذي تلاه جعجع كل ما يمكن ان تعطيه من تداعيات وتأثيرات مباشرة على المشهد الانتخابي.
لكنْ هناك فصل اساسيّ مما جرى يتعلق باتفاق الطائف، وهو ما يجب ان يُقرأ بعناية وفي العمق، اذ إن الخوف ان نكون نشهد في لبنان، للمرة الاولى منذ عام 1989 تاريخ اقرار وثيقة الوفاق الوطني، احتمال الوصول الى نهاية هذا الاتفاق، اذا استمر العمل في الحساسيات الصغيرة وسياسة النكايات، كما يحصل حالياً.
ووفق مصادر سياسية مواكبة للطائف، ولحركة عون وجعجع الاخيرة، فانه حتى الآن كانت صورة اتفاق الطائف تنقص العماد عون، والى حد ما حزب الله، لكون الاخير لم يكن معنياً بصورة مباشرة في ذلك الوقت بالحدث السياسي، ولأنه على مدى اعوام طويلة قيل وكتب الكثير عن موقف الحزب غير المتمسك بهذا الاتفاق.
اليوم، وفي ظل الشغور الرئاسي المستمر منذ سنة وثمانية اشهر، وفي اعقاب تحوّل حقيقي يتمثل في خطوة جعجع تجاه عون وما قاله في ورقة البنود العشرة، تسنح الفرصة للرئيس سعد الحريري ليحدد اذا كان متمسكاً بالطائف الحقيقي، وان يقول اي طائف يريد؟ هل الطائف الذي يريده هو الوثيقة المكتوبة التي وافق جعجع عليها، ووافق عون عليها اخيرا، ام هو الطائف الذي نفذ خلال الوجود السوري وحكم الترويكا والمجموعة الدائرة في فلكها. الاسابيع الاخيرة دلّت على ان الحريري الذي يؤكد تمسكه بالطائف، انما يتشبث، من خلال ترشيحه رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه واصراره على عدم التراجع عنه، بالنسخة التي نفذت.
لكنّ المسيحيين بغالبيتهم وبأحزابهم الاساسية وبالبطريركية المارونية، رفضوا الطائف كما نفذ منذ عام 1990، وهم يريدون العودة الى الاتفاق الاساسي الذي لم يفت الأوان بعد لتطبيقه فعلياً. واذا كان الحريري معنيا بالطائف وباستمرار العمل به، فإنه يتحتم عليه ان يحدد خياراته في هذه المرحلة المصيرية، لأن اقوى قياديين مسيحيين لم يكونا موجودين في مرحلة تنفيذ الطائف في نسخته الماضية، ينضمان الى النظام الحالي، والعمل من تحت سقف الطائف، لكنهما يواجهان بمحاولة واضحة لمنعهما.
من هنا تكمن اهمية وجود معادلة الطائف في ما قاله عون وجعجع، وما يريده الحريري. وهنا ايضا يجدر التوقف عند موقف رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وهو احد عناصر تركيبة الطائف، فهو، كما توقع عارفوه، لا يمكن ان يقف، تحديدا في هذه المرحلة الدقيقة، في وجه شبه الاجماع المسيحي، لان ذلك يمس بلبنة اساسية في اتفاق الطائف اي الحفاظ على العيش المشترك. وهي النقطة التي التقطها جنبلاط من خلال تحييد موقفه والانسحاب من دعم فرنجيه، والترحيب بما جرى في معراب والاشادة بعون، والتراجع الى المربع الآمن بالتمسك بترشيح النائب هنري حلو، في انتظار بلورة اكثر وضوحا لمسار الملف الرئاسي محلياً واقليمياً. وهذا ما لاقاه به جعجع نفسه الذي اشاد باحترام جنبلاط للميثاقية، وشكره عليه عون.
يدرك جنبلاط، كما يفترض ان يدرك الرئيس نبيه بري والحريري، ان ثمة مخاطرة كبيرة حاليا في القيام بخطوة استفزازية تجاه المسيحيين، تثير الارباك الداخلي وتعيد الى المسيحيين هواجسهم بأنهم غير مرغوب بهم في تركيبة النظام الحالي او في البلد كله. ولان المسيحيين لا يزالون يتمسكون بالطائف، يفترض ان يلاقيهم الحريري الذي يحتاج الى هذا الاتفاق بقدر حاجة المسيحيين اليه، ولا سيما انه لا يزال يمثل التسوية النهائية التي تتمسك بها الدول العربية وفي مقدمها السعودية، ويحظى بتغطية دولية شاملة.
فخطورة الذهاب الى رهانات وتحديات من نوع ما يحصل اخيرا، وقد اثبت المسيحيون، بالحد الادنى، انهم قادرون على تعطيل اي محاولة لاستفرادهم، يمكن ان تبقي الاوضاع الداخلية معلقة، وتبقي لبنان من دون رئاسة جمهورية، لكن الشغور الرئاسي لم يعد يمثّل خطرا على المسيحيين وحدهم، لان لبنان يصبح في ظل الاهتراء الداخلي والاشتباكات الاقليمية المستمرة، من دون اطار سياسي يحميه، ويجعله في خانة انتظار الحلول التي ترسم للمنطقة ودولها المشتعلة.
اما محاولة التقاط تسوية من النوع الذي يمكن ان يأتي بعون رئيسا للجمهورية، بتسوية مع جعجع وموافقة الحريري وبري وحزب الله وجنبلاط، فيعني انه يمكن اعادة الاعتبار للطائف، والذهاب تدريجا الى قانون انتخاب والى حكومة لا يعطلها اي طرف من الذين وافقوا على التسوية، ما يؤدي في نهاية المطاف الى اعادة انتظام عمل المؤسسات والى عودة العمل الى النظام اللبناني وفق ما اقره اتفاق الطائف.
لكن من دون اي تسوية داخلية واعتراف بخطورة الوضع الاقليمي وانعكاساته والتخلي التدريجي عن الطائف الحقيقي، في ظل الاصطفاف الحالي للقوى السياسية المحلية، والاشتباك الاقليمي المعروف، وسط انشغال الدول المعنية بملفات اخرى واعادة ترتيب المنطقة، قد نكون فعليا امام مرحلة جديدة لا مكان فيها للطائف، وعناوين جديدة بعضهم يسميها مؤتمراً تأسيسياً وبعضهم مثالثة وبعضهم الاخر… فدرالية.