«برّي العصيّ» ماضٍ في تسجيل الأهداف في مرمى «البرتقالي» الغارق في وهم تفكيك «الثنائي»
يلعبُها رئيس الجمهورية ميشال عون «صولد» وعلى المكشوف. يدفع عون بقوّة إلى فتح الاستحقاق الرئاسي باكراً. يستخدم ما لديه من أوراق من أجل إتمام الصفقة اليوم قبل الغد.لا يُعير اهتماماً للقاعدة الفقهية:«مَن تعجّل شيئاً قبل أَوانه عُوقب بحرمانه» والتي يستعين بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتبرير عدم ملاءمة الظروف للدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء.
مَن يقرأ تاريخ الجنرال، يخرجُ باستنتاج أن القاعدة التي يركنُ إليها الرجل هي قاعدة «الصولد»: إما يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. فَـعَـلَها في العام ١٩٨٩ حين رفض التسوية السياسية لإنهاء الحرب اللبنانية المتمثلة بـ«اتفاق الطائف»، وما نتج عنه من انتخابات رئاسية، حيث سار عكس الرياح الإقليمية والدولية، فكان أن خسرَ في عملية 13 تشرين الأول 1990، وانتهى به الحال لاجئاً سياسياً في فرنسا. ولَعبَها في العام ٢٠٠٦، يوم صاغ تحالف «مار مخايل» مع «حزب الله»، فربحَ منذ ذلك الحين، وتَـوَّج هذا الربح في ٢٠١٦ بتحقيق حلم الوصول إلى سدّة الحكم.
لا يَشذُّ اليوم عون عن تلك القاعدة. يحشرُ «حزب الله» كي يُطلق أمينه العام «وعده الصادق» لوريثه السياسي جبران باسيل بأنه سيكون الرئيس المقبل للجمهورية، بمعزل عما إذا كانت تلك الجمهورية خراباً على نقيض لبنان في رمزيته وميزته وروحيته. المهم وصول جبران إلى سدّة الرئاسة، وماهية الجمهورية ليست سوى تفصيل الآن.
سيكرر صفا على مسامع رئيس التيار ما يبذله نصرالله من جهد لإقناع «الشقيق الأكبر» بضرورات التحالف مع العونيين
يُريدُ رئيس الجمهورية أن يستخدمَ ما لديه راهناً من أوراق قوّة لدفع «حزب الله» إلى القفز فوق الوقائع على الساحة الداخلية، وفي الإقليم، وعلى المسرح الدولي، لاستكمال سطوته على المشهد السياسي اللبناني. وهذه السطوة ستحتاجُ عملياً إلى غطاء دستوري جديد سيوفّره له «الوريث» من موقعه كرئيس للجمهورية، كما وفّرها هو على امتداد السنوات الخمس الماضية، وقبلها من خلال التحالف السياسي سوياً.
هو سباق مع الوقت. فالوقت عامل غير مضمون قد يلعب لصالح عون – باسيل كما ضدهما. في معطيات اليوم، ليس الآتي من الأيام لمصلحة رئيس التيار الوطني الحر. فالظروف التي حكمتْ معركة عون الرئاسية مُغايرة لتلك التي تحكمُ معركته اليوم. حينذاك استفاد عون من قرار «حزب الله» تعطيل الاستحقاق الرئاسي وأخذه رهينة كورقة في بازار التفاوض الأول على الاتفاق النووي الإيراني بين طهران وواشنطن، زمن باراك أوباما، غير أن أموراً كثيرة تبدّلت في حقبة دونالد ترامب، ودخلت المنطقة في مخاض يبدو طويلاً وعسيراً مع القرار الأميركي بالانسحاب العسكري من الشرق الأوسط، والعمل على ملء الفراغ من خلال توثيق وتعميق العلاقة مع شركائها وحلفائها ضمن سياسة الردع المتكامل لسياسة القرن الواحد والعشرين.
في واقع الحال، لن يجدَ «حزب الله» أفضل من باسيل حليفاً له. ورقة باسيل هي بيده بشكل كليّ، وهوامش المناورة لدى الطامح الرئاسي ضيّقة جداً، لا بل معدومة، ولا سيما بعدما حَـرَقَ مراكبه مع اللاعب الأميركي، وفرض وزارة الخزانة عقوباتٍ عليه. يعلمُ باسيل علم اليقين أن لا خيارات أمامه غير الالتصاق بـ«حزب الله»، ولا فرصة أمامه للرئاسة إلا من بوابة حارة حريك، لكن معضلة الرجل تكمن في أنه غير قادر على الجزم لمن ستكون له الكلمة الفصل واليد العليا عند الاستحقاق الرئاسي، وكيف ستكون عليها موازين القوى السياسية في الداخل وصورة المنطقة.
من هنا، يأتي ضغط عون مصحوباً من الخلف بضغط باسيل للحصول في الفترة الرمادية غير الواضحة على التزامات من الحليف. ولكن هذه المغامرة لا تستقيم من دون أثمانٍ سياسية، سبق أن عرضها باسيل مباشرة على الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، تبدأ من الانقضاض على الطائف ولا تنتهي عند تحالف الأقليات والالتصاق بالمحور الإيراني. ولعل الحديث المتجدّد لرئيس الجمهورية عن الحاجة إلى تغيير النظام في هذه اللحظة الحسَّاسة يُشكِّل رسالة في هذا الاتجاه، وإنْ كان ثمة من يعتقد أن «الورقة المفتاح» للصفقة المأمولة هي ورقة تخليه عنه المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار.
في قناعة عون – باسيل أن ما يُعيق «حزب الله» من حسم قراره لترشيح باسيل هو الركن الآخر في «الثنائي الشيعي» نبيه بري. لا شك أن جانباً من هذا الاعتقاد صائب، ولكن ما يحتاج إلى مزيد من التدقيق هو اعتقادهما بأن «الحزب» هو الذي يُؤمِّن الحماية لبري، وأنه لولا هذا الغطاء، لكان نجح العهد في ضرب الركيزة الثالثة في المنظومة السياسية.
يظنُّ عون ووريثه أنهما نجحا في تحجيم الزعيم السُّني سعد الحريري، وأنهما هشَّما موقع رئاسة الحكومة، كما أنهما حجَّما الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. تذهب مقتضيات معركة شدّ العصب الانتخابي إلى مداها الأقصى على أبواب استحقاق الانتخابات النيابية التي تقضُّ مضاجع رئيس التيار الوطني. فبعيداً عن حسابات الاستقواء بـ«حزب الله»، فإن مجيء عون أولاً إلى الرئاسة ما كان ليحصل لولا الصفقة التي تمَّت مع الحريري، والتي وصفها هو بنفسه بـ«المغامرة السياسية»، والتي جاءت نتائجها قاتلة على الرجل، وهو أمر طبيعي حين ينحو المرء حول خيارات مدمرة، على الرغم من أنه لا يزال باكراً الجزم بما سيفرزه الاستحقاق النيابي من حجم للحريرية السياسية في البلد. أما في ما خص جزئية تحجيم جنبلاط، فـ«منازلة قبرشمون» تقول غير ذلك بالتأكيد، فيما الحرب المفتوحة مع بري ارتدت على باسيل خسارة أولى في معركة تعديل قانون الانتخاب، ولا سيما لجهة تصويت المغتربين، وتبدو معالم الخسارة الثانية على الطريق مع ما رَشَـحَ عن عدم وجود توافق داخل المجلس الدستوري على حسم طعن التيار العوني في تعديلات قانون الانتخاب، ما يعني مواجهة باسيل وتياره مزيداً من المفاجآت في انتخابات 2022.
ما يريده عون – باسيل هو وضع «حزب الله» أمام الخيار الصعب: إما نحن وإما بري. هذه معادلة لا يقوى عليها «الحزب» الذي ينطلق من مسلَّمة أن الخلاف الشيعي – الشيعي خط أحمر ويشكل مقتله. فمعارك إقليم التفاح وما أنتجته من تداعيات لا تزال ماثلة في الأذهان وشبحها يبقى حاضراً على الدوام، وما الذي يجري راهناً في العراق على مستوى الأحزاب والفصائل الشيعية خير مثال لما يمكن أن يعتري الساحة الشيعية في حال حصول أي اهتزاز بين حزب الله» و«أمل»، خصوصاً أن الواقع الاجتماعي التي يحيط بالساحة الشيعية يشهد كمّاً من التصدعات تحدثها فوارق «المال النظيف» للحزب والمدفوع بالعملة الصعبة.
أساساً، سيردد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا على مسامع باسيل ما يبذله نصرالله من جهد مع «الشقيق الأكبر الأستاذ نبيه بري» لإقناعه بضرورات المصلحة للإبقاء على وحدة التحالف الانتخابي بين «الثنائي» و«التيار» في الدوائر حيث الصوت الشيعي مؤثر وحاسم ، ولانتزاع تعهد بالتزام «جمهور أمل» بمرشحي التيار في تلك الدوائر من جزين إلى زحلة والبقاع الشمالي مروراً ببعبدا وصولاً إلى جبيل – كسروان!