IMLebanon

لبنان يدفع ثمن حلم وكابوسين

 

 

لا نهاية لما دفعه ويدفعه اللبنانيون من أثمان جرائم إرتكبها المتحكمون بهم. جرائم من النوع الذي قال عنه تاليران: “أسوأ من جريمة، إنها غلطة”. من أخطاء المسؤولين وخطايا القادة المفتقرين للرؤى الإستراتيجية وجشع المافيا في السطو على المال العام والخاص، الى التلاعب الخارجي بأمراء الحرب والطوائف الذين تصوروا أنهم يقومون بأدوارهم المصيرية على المسرح البناني المدار بسيناريوات الآخرين. وما عاد ينقص اللبنانيين المضروبين بكل أنواع الأزمات سوى إجبارهم على أن يدفعوا رأس لبنان ثمناً لإدعاء حمايته من الأخطار، وسط أخذه عملياً الى مخاطر أكبر.

 

اليوم يُعاقب لبنان الأسير بدفع ثمن كابوسين جديدين، بعدما دفع على مدى سنوات ثمن حلم تحقق. الحلم هو عملياً “حلمان في سرير واحد”، كما يقول الفرنسيون، اسمه “تفاهم مار مخايل”. حلم العماد ميشال عون و”التيار الوطني الحر” بالرئاسة واستعادة الحقوق المسلوبة. وحلم “حزب الله” بالجمهورية والغطاء المسيحي والرسمي للسلاح ودوره في مشروع “ولاية الفقيه”.

 

أما الكابوسان، فإنهما خوف كل طرف من شيء. خوف يبدو للناس بلا مبرر، لكن الطرفين يعرفان لماذا يخافان، ويشنان نوعاً من “الحرب الوقائية” ضده، من دون التوقف أمام قول بسمارك “إن الحرب الوقائية مثل الإنتحار خوفاً من الموت”. كابوس “التيار الوطني الحر” حيال إقتراع الناخبين غير المقيمين حيث هم، لا لستة مقاعد إضافية إغترابية بل للمقاعد الـ128 في الوطن. وكابوس “الثنائي الشيعي” حيال التحقيق في إنفجار المرفأ على يد المحقق العدلي طارق البيطار.

 

والمفارقة أن خلاف الشريكين في “تفاهم مار مخايل” لم يكن على مسائل أساسية تتعلق ببنود التفاهم، سواء لجهة بقائها حبراً على ورق أو لجهة الخروج على المهم والحساس فيها، بل على أمور فرعية خارج التفاهم. فما يشكو منه العهد و”التيار الوطني الحر” هو أن “حزب الله” لم يضغط على الرئيس نبيه بري شريك “الثنائي الشيعي” لدفع من يمون عليهم في المجلس الدستوري الى التصويت لإبطال قانون الإنتخاب. وما يشكو منه “حزب الله” هو أن العهد لم يدفع مجلس الوزراء أو وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى الى “قبع” طارق البيطار. وما زاد في حدة الخوف أن الصفقة المعيبة التي عمل لها أهل الكوابيس بما يريح كل طرف منهم، سقطت في اللحظة الأخيرة وعاد أبطالها الى إنكارها. أما دفاع العهد و”التيار” عن سلاح “حزب الله” فإنه إستمر بعدما تجاوز السلاح دوره المحصور بمقاومة أي إعتداء إسرائيلي، حسب “التفاهم” الى دور إقليمي في حرب سوريا وصراعات العراق وحرب اليمن ضمن دور أكبر في المشروع الإيراني. وأما جدارية قاسم سليماني المرفوعة على طريق المطار، فإنها قوبلت بالصمت.

 

ولا شيء يوحي أن شريكي “التفاهم” يريدان الخروج منه، بصرف النظر عن الخطاب الديماغوجي الحالي.

 

سئل ملك فرنسا فرنسوا الأول عن خلافه مع إمبراطور النمسا تشارلز هايسبورغ، فأجاب: “نحن على تفاهم تام: كل منا يريد السيطرة على إيطاليا”. وعاش التفاهم.