في المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في قصر بيت الدين حيث يمكث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تخيم الأجواء التصالحية وهي على ما يبدو سائرة في الاتجاه الصحيح بإنتظار تظهير مفاعيلها ومفاعيل الاجتماع المالي والاقتصادي الذي انعقد في القصر الجمهوري. ومن هنا يأتي نداؤه لتنفيذ المبادئ التي تم الاتفاق عليها دون تحديد موعد لأن العملية مستمرة واللجنة الاستشارية التي شكلت لهذه الغاية ستباشر عملها.
يبدي الرئيس عون في بداية اقامته في قصر بيت الدين ارتياحا مفضلا في دردشة مع الصحافيين عدم الغوص في اي كلام عن عشاء يدعوه اليه رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط في المختارة ولا حتى التباين مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، مع العلم ان الأخير اوفد امس الوزير السابق ملحم الرياشي لدعوته لحضور قداس شهداء «القوات اللبنانية». وقد كان لافتا اختيار الرياشي منصة بيت الدين للاشارة الى مناسبة الزيارة والى ان ينقل عن الرئيس عون قوله انه مهما اختلفنا فنحن متفقون على حب الوطن.
لم يضف الرياشي اي كلمة اخرى حتى انه لم يشر الى جولة جعجع في الشوف او اي لقاء مرتقب مع الرئيس عون في قصر بيت الدين غير انه قال اذا دعت الحاجة لهذا اللقاء فإن كل شيء ممكن.
وفي المقلب الأخر كانت زيارة رئيس التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب الذي كانت له اخر اطلالة في هذا القصر في عهد الرئيس ميشال سليمان كما قال. وهذه الزيارة امس صبت في إطار الثناء بالرئيس عون والترحيب به.
الى ذلك كل تفصيل اراد الرئيس عون الإضاءة عليه توقف عنده في جلسة الدردشة في حديقة قصر بيت الدين وبعيدا عن البروتوكولات المعتمدة في اللقاءات الرسمية اجاب رئيس الجمهورية عن اسئلة الحاضرين دون توقف لا بل كان يطلب ممن لم يسأله ان يُشارك، في لقاء خرج بتأكيد رئاسي على ان الأمور قابلة نحو التحسن والتعاون بين السلطات ضروري لانقاذ لبنان.
واسهب الرئيس عون ايضا في تناول موضوع الشائعات بإيعاز الولايات المتحدة له لأبعاد الوزير جبران باسيل.
وقال: جبران باسيل هو رئيس حزب ورئيس أكبر كتلة نيابية، وكثر قالوا منذ فترة ان جبران باسيل هو رئيس الجمهورية والجنرال عون هو رئيس الحزب وكنت اضحك يومها، وكان هناك بعض السياسيين الكبار الذين يأتون إليّ ويطلبون مني الضغط على باسيل في بعض الشؤون السياسية التي تزعجهم وكان جوابي دائماً اذهبوا وتحدثوا بالموضوع مع جبران باسيل، فهل يقبل أحدكم بأن اضغط عليه، مذكراً بأن باسيل هو رئيس أكبر كتلة نيابية ويترأس تكتلاً يضم العدد الأكبر من الوزراء في الحكومة وبأنه يتركه يدير الحزب ويتصرف بالسياسة التي يراها مناسبة.
واضاف: انا اوجه إليه النصائح له ولغيره ولا يمكن لأحد أن يستعملني للضغط عليه فأنا لا امارس ضغوطات على أحد.
ودعا اللبنانيين إلى الثقة بأنفسهم، معلناً ان ما من شيء يقوله موُحى له من قبل أي دولة أجنبية، مطمئناً بأنه مستقل ويمثلهم إلى ان يأتي أحد غيره.
وقدم رئيس الجمهورية شرحاً عن مسيرة الـ30 سنة الماضية وممارسة إعلاميين ورجال اقتصاد لانتقاد الوضع النقدي في الفترة الأخيرة، حيث كانت النتيجة وخيمة ولجوء المودعين لسحب ايداعاتهم من المصرف، واصفاً ما تعرض له مصرف «انترا» بالمؤامرة حيث غذتها الشائعات ما أدى إلى افتقاده للسيولة الكافية وإلى إعلان افلاسه.
وإذ أكّد ان العمل منصب على المحافظة على الليرة في مقابل من يقول ان قيمتها ستنخفض بحكم الواقع الافلاسي الذي يصيب الدولة والقطاع المصرفي. لفت إلى ان هناك قانوناً يدين كل الشائعات الإعلامية لكننا لم نلجأ إليه حفاظاً على العملات، حرصا على النقد كونه مصدر لافكار جديدة، اما الشتيمة فلا نقبل بها.
وتحدث الرئيس عون عمّا صدر عن اجتماع بعبدا المالي، لتخطي الأزمة، معلناً عن بدء خطط تنفيذية عبر اللجنة الاستشارية هذا الأسبوع كي تصبح جاهزة بعد شهر، واقر بأن انهياراً اقتصادياً لا يمكن إصلاحه بشهر أو شهرين، معلناً الحاجة إلى تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية وان هناك وجوباً والتزاماً في هذه الخطة.
وأكد الرئيس عون ان العمل قائم حاليا على وضع موازنة العام 2020، مؤكداً ضرورة ان تصدر في 31 كانون الاول كموعد اقصى و«نحن نأمل بأن لا يحصل اي تأخير».
وعن الكلام حول عقوبات اميركية على شخصيات مسيحية مقربة من حزب الله قال الرئيس عون: «نحن لم نتبلغ هذا الامر، إلا أننا نسمع من الزوار عن ذلك». وتساءل: «ماذا بقي بعد ولم يُفرض على لبنان»..
وحول الدعوة لحوار حول الاستراتيجية الدفاعية قال: «لقد تغيرت حالياً كل مقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها. فعلى ماذا سنرتكز اليوم؟. حتى مناطق النفوذ تتغيّر. وأنا اول من وضع مشروع للاستراتيجية الدفاعية. ولكن هل لا يزال صالحاً الى اليوم؟. لقد وضعنا مشروعاً عسكرياً مطلقاً مبنيا على الدفاع بعيداً عن السياسة، ولكن مع الاسف مختلف الافرقاء كانوا يتناولون هذا الموضوع انطلاقاً من خلفية سياسية.
أما متى ستبصر توصيات مؤتمر «سيدر» النور، اجاب رئيس الجمهورية: «هناك مرتكزان اساسيان للانطلاق بتوصيات هذا المؤتمر: المرتكز اللبناني من جهة وذلك العائد الى الدول المساهمة فيه من جهة اخرى، وهي دول تطلب بعض الامور علينا القيام بها، الا ان اوضاعنا الاقتصادية والمالية لا تتيح لنا مجال تطبيقها. نحن سنقوم بتنفيذها وفق مبدأ «الا يموت الذئب ولا يفنى الغنم». بمعنى ان كافة الاصلاحات المطلوبة سنقوم بها بالتدرج وسنسير بها ولن تبقى معلقة».
وشدد على السير معاً بتوصيات مؤتمر «سيدر» و«مقررات الخطة الاقتصادية اي خطة ماكنزي»، نافياً ان تكون بعض الدول الاوروبية قد ابدت استياءها من عدم تجاوب الحكومة اللبنانية بشأن توصيات مؤتمر «سيدر».
وبالنسبة الى التعيينات المرتقبة وعمّا اذا كانت ستؤدي الى مشكلة جديدة داخل مجلس الوزراء، قال: «ستتم مناقشة التعيينات»، وحول الآلية التي يصر البعض عليها قال: «ان الآلية وضعت في ظرف معين وهي ليست قانونا ولم ينص عليها الدستور». فلتصبح قانونا و«يمشي الحال».
ولما سئل عن الاصلاحات السياسية وعمّا اذا كان العهد سيشهد على استكمال تطبيق الطائف كليا، قال: «اني اسمع الكثير من الاقوال ومن بينها ان هناك تصرفا ديكتاتوريا او خروقات للطائف وعلينا اصلاح الامر وما الى ذلك. منذ متى وانتم تسمعون مقولة: لو نُفِذ الطائف؟ اليس من قبل ان اصل الى الرئاسة؟ اليس من الوقت الذي نفيت فيه؟ مؤكداً انه يقوم تطبيق الدستور. لكن البعض اعتاد على خرق الدستور وحرمان البعض الاخر من حقوقه، فحين اقوم بتصحيح الامور يقولون انه يتم خرق الدستور. لقد اعتاد البعض على عادات سيئة كثيرة، ولكي تقوم باصلاح الامر يتطلب الامر وقتا».
وعن مصير من نجح في امتحانات مجلس الخدمة المدنية وتم تجميد انتسابهم الى وظائفهم، ذكرّ بطلبه تفسير المادة ٩٥ من الدستور، وقال البعض لا يريد الغاء الطائفية السياسية ولا الحفاظ على التوازن. ونحن نطلب الذهاب الى الدولة العلمانية.
وسئل عما اذا كان كلام الرئيس الحريري الاخير في واشنطن سيثير ازمة جديدة في الداخل، اجاب: «انا لم اطلع على تصريحه في كل الاحوال. الموقف الاميركي ليس بجديد. الجميع يأتون اليّ من اميركيين وغير اميركيين. نحن لدينا امور لا تزال عالقة. فليسرعوا باحلال السلام العادل وفق الشروط المعروفة، فلا يعود للسلاح من مبرر.
ولما سئل عن مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدث عن التصويت في ١٣ ايلول المقبل على اختيار لبنان مركزاً لانشاء اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار، مشدداً على نشر ذلك للثقافة ومعرفة الانسان الاخر واحترامه له.