معارضو العهد سيفشلون في المواجهة إذا لم ينتقلوا للدفاع عن الدستور والشراكة
عون باقٍ في القصر حتى تدمير الطائف وتوريث جبران
مع تصاعد الخلاف، وتحوّله من كامنٍ إلى معلن، بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل من جهة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، بدأ الحديث عن تشكّل جبهة معارضة ضدّ العهد تضمّ إلى بري والحريري، النائبين السابقين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، بعد أن بلغ اليأس مداه من إمكانية الوصول إلى حلٍّ لمعضلة تشكيل الحكومة، والحديث عن اتخاذ عون القرار بتمضية بقية عهده مع حكومة حسان دياب.
الحديث عن الجبهات في العادة مُغرٍ ومستفزّ في الوقت نفسه، ولقيام الجبهة أهداف، هي في حالنا اليوم، مقاومة العهد والسعي لإسقاطه، بالنظر إلى العزلة المحلية والخارجية التي يعانيها، فضلاً عن أنّه عهد الانهيار الشامل وتصدّع المؤسسات، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ «حزب الله» لن يكون في وضعية القدرة على الحسم، نظراً لتشتّت حلفائه واختلاط خصومه في حالة المعارضة التي لم يعد لديها خيار سوى المواجهة، بينما يتمترس عون وصهره في القصر الرئاسي غير آبهين بكلّ ما يجري
حسابات خاطئة من خصوم العهد
يعتقد البعض أنّ المواجهة مع عون في السياسة ستكون مجدية، وأنّ «الجنرال» سيسقط في الشارع نتيجة تكتل القوى السياسية ضدّه ونتيجة إفلاس البلد، لكنّ هذه الحسابات قاصرة جداً، وهي تتحرّك وفق منطق الحسابات السياسية التقليدية، لكنّ واقع الحال أننا نواجه حالة خارج المنطق وخارج كلّ السياقات السياسية.
قال الجنرال ذات مرة: أنا ميشال عون فلا تجربوني، وقال أيضاً إنّنا ذاهبون إلى جهنم، وهو عندما قال ما قاله لم يكن يلقي كلاماً عابراً، بل كان يعني كلّ كلمة قالها. وترجمة هذا الموقف أنّه إذا انفجر البلد بمن فيه، وإذا أفلس البلد بمصارفه ومؤسساته، وإذا انفرط عقد الجيش وضاعت بوصلته، وإذا عمّت الفوضى وساد الانقسام، فإنّ أيّاً من هذه الأهوال لن يثني ميشال عون عن معركته لتغيير اتفاق الطائف ولتوريث صهره القصر الجمهوري.
الحرب على الدستور: لا حكومة إلاّ خارج الطائف
يخوض عون حربه المتدحرجة ضدّ الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، لأنّه يعتبر أنّ هذا الاتفاق سلب صلاحيات رئيس الجمهورية ومنع المسيحيين من «حقهم» في حكم لبنان الذي أسّسته فرنسا لهم، لا لسواهم. وقد اتخذت حرب عون على الدستور اشكالاً مختلفة، منها ما هو مباشر في الاستيلاء على صلاحيات رئاسة الحكومة، مستفيداً من التنازلات التي قدمها الرئيس سعد الحريري عشية التسوية الرئاسية، حتى انحصرت القرارات الوزارية بالجلسات التي يرأسها عون في قصر بعبدا.
وأكمل المستشارون الرئاسيون، وخاصة سليم جريصاتي الحرب على الدستور في سلسلة لا تنتهي من الهرطقات غير القانونية والخارجة عن المنطق الدستوري السليم، إلى أن بلغت هذه الحرب ذروتها، مع إصرار عون على فرض معادلات خاصة به في تشكيل الحكومات، فهو يريد فرض حصته باسم المسيحيين، ثلثاً معطِلاً، ويريد منع الرئيس المكلف من تسمية أي وزير مسيحي، ويريد فرض صهره شريكاً إلزامياً في التشكيل.
بلّطوا البحر…
لسان حال ميشال عون اليوم يقول: تظاهروا أو لا تتظاهروا، احتجوا أو امكثوا في منازلكم، موتوا جوعاً أو قهراً، املؤوا الشوارع وتكتلوا أو تفرقوا، فالأمر كله سواء، ولن يغيّر من واقع التصاق عون بالسلطة شيئاً، حتى لو أدى الأمر إلى حرب أو شبه حرب، يراها المحيطون بالرئاسة ضرورية لكسر الطائف وإعادة تركيب البلد وفق المنظار الذي يحمله «الجنرال» للبلد، ونظرة إلى وزارات التيار الوطني الحر بطاقته وسدوده تعطي فكرة واضحة عن المصير الذي ينتظر اللبنانيين.
ما يجب أن يعلمه معارضو عون، وتحديداً الرئيسان بري والحريري، وكذلك جنبلاط وفرنجية، أنّ الرئيس لن يخرج من قصر بعبدا إلاّ بعد أن يُدخل صهره إليه، ولن يرضى بتأليف حكومة إلاّ وفق صيغة جديدة خارج الطائف، وأنّ حساباته تصل إلى منهى تصوّرات الصراع، فلا شيء يمنعه من الوصول إلى نهاية المضمار لإسقاط الجميع، لأنّه يظنّ لنفسه البقاء والانتصار!
الحرب الآن على الدستور والصيغة
الحرب على الطائف والدستور والجيش معلنة بوضوح من ميشال عون وجبران باسيل، والتفكير بجبهة معارضة لا ترقى إلى مستوى الصراع ولا تستطيع التوسع وطنياً لتشمل قوى فاعلة ذات وزن مسيحي، وتحديداً القوات اللبنانية، فإنّ ما يجري مضيعة للوقت.
الصراع الآن ليس على شكل الحكومة ولا على الحصص، وليس على مكانة الحريري ومقام بري، وليس على تفسير مادة دستورية. الصراع الآن بلغ ذروته والانقلاب الذي يقوده الرئيس عون بإغلاق كلّ أبواب الحلول، إنما يحصل لفتح أبواب جهنم على التغيير القسري وربما العنيف للصيغة اللبنانية.
وفي حال بقي تناغم بري والحريري تحت سقف لعبة تشكيل الحكومة، فإنّ جهودهما ستكون بلا جدوى، لأنّ حسابات المواجهة ينبغي أن تكون أكبر وأعلى، والرهان على استرضاء «حزب الله» لاستمالته ودفعه إلى الاصطدام بعون وباسيل، رهان في غير محله، لكنّ لدى المعارضين نقطة قوة يجدر الانتباه إليها، وهي أنّ الحزب عاجز عن استخدام قوّته العسكرية، خاصة في وجه «أخيه الشيعي»، أو في وجه «الحليف السني المضمر»، أو الحليف المسيحي «المظلوم» رغم «تمرّده».
على القوى السياسية أن تنتهي من لعبة تشكيل الحكومة، فقد أقفل العهد الباب وكتب «انتهت اللعبة»، ولهذا فإنّ المسألة الآن تحتاج عنواناً آخر، هو الحفاظ على الصيغة الوطنية والدستور، وهذه مساحة تتسع لقوى كثيرة، ربما تحمل متناقضات كثيرة، لكنها تلتقي على حفظ المؤسسات والدستور وصيغة الشراكة الإسلامية المسيحية الفاعلة والمنتجة، سياسياً ووطنياً.