لكسروان نائب اسمه ميشال نعيم عون. هو من مواليد حارة حريك، وسُكان منطقة الرابية في المتن، أي «غريب» عن البيئة الكسروانية. رغم ذلك، تمكن من أن يفرض نفسه الزعيم الأوحد في قضاء تعوّد أن يُسلم أمره لممثلي العائلات التقليدية الخدماتية، باستثناء فترة السبعينيات حين انتخب الكسروانيون لويس أبو شرف، ذا الأصول المتنية، بسبب نفوذ حزب الكتائب الذي كان ينتمي إليه في تلك الفترة.
اختار عون كسروان ليثبت من خلالها زعامته على «الشارع المسيحي»، وذلك على رغم أنه، كنائب، غائب عن المنطقة. في السياسة قالت كسروان كلمتها، التي لم تتبدل حتى الساعة، ولكن، في المعركة الكسروانية، لا تكفي العناوين الكبرى. ثمة تفاصيل صغيرة أساسية تبدأ بخلاف فردي في أصغر القرى ولا تنتهي عند زحمة الأوتوستراد، لا يمكن لأي سياسي تجاهلها.
قد لا يهمّ رواد مقاهي جونية الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، ولا متى سيسقط الرئيس بشار الأسد أو الغارات الجوية على تنظيم «داعش». من أولوياتهم أن لا يكون هناك أساس لخبر إصابة نائبهم السابق منصور البون بأي مرض، حتى يتمكن من مواصلة نشاطه الخدماتي، على رغم أنهم، عامَي 2005 و2009، خذلوا البون وجيّروا الدفة لصالح الخيار السياسي لعون.
ولكن لا يمكن لزعامة عون أن تحيا على الخيار السياسي في منطقة تقدّر عالياً خدمات النائب. لذلك كان لا بد من مكتب يحاول تعويض غيابه ، سُلمت مفاتيحه منذ ثلاث سنوات إلى الشاب الثلاثيني جورج دغفل (ابن بلدة عشقوت).
يدخل دغفل مسرعاً الى أحد مقاهي الكسليك. يستعجل في الكلام، غافلاً عن طلب القهوة، «اليوم الضغط كتير عليّي». لم يكن يتأبط حقيبته التي تضم طلبات الخدمات، بات بإمكانه الاطلاع على الملفات بمجرد لمسة لهاتفه الذكي. يبدأ الحديث بالتأكيد «أننا، كمكتب، استطعنا من خلال عملنا أن نعوض غياب النواب الأربعة. خلقنا مرجعية اسمها مكتب العماد ميشال عون وليس الشيخ والبيك والزعيم»، والـ«نا» هنا لا تعني إلا دغفل. يفخر بأن «الجميع باتوا يلجأون إلينا من أجل بت المواضيع الإنمائية خارج كسروان وداخلها. تمكنا من خلق شبكة تواصل متينة مع معظم الفاعليات الكسروانية». يُقسم العمل الى ثلاثة مستويات، عون لا يتابع إلا الملفات التي تكون على مستوى القضاء، كما يقول دغفل. أما المستويان الثاني والثالث فهما الخدمات على صعيد المناطق والخدمات الشخصية. إضافة الى ذلك، هناك «متابعة لملف التشكيلات في الدولة على صعيد المحافظة والقضاء». خلال السنوات الثلاث «تمكنا من إنجاز 4100 خدمة من أصل 5500 مراجعة». وعن علاقته بعون يؤكد دغفل: «أنا الوحيد المسموح لي بأن أزوره ساعة أشاء. ولكنني لا أراجعه إلا في الأمور المستعصية». في تقويمه للنائبين السابقين منصور البون وفريد هيكل الخازن، يقول إن «الخازن خارج اللعبة. أما البون فقد تخطيناه في موضوع الخدمات اليومية، ولكنه لا يزال أقوى منا في المخافر. هو منافسنا الوحيد».
الجنرال تخطّى البون في الخدمات اليومية، والأخير لا يزال أقوى في المخافر
من هذه النقطة الأخيرة ينطلق أحد الناشطين العونيين في كسروان ليقارن بين عمل البون ودغفل، «على الأرض جورج يسبق منصور. الشيخ وقته ليس محصوراً بالخدمات، على العكس من جورج الذي بنى شبكة من العلاقات تبدأ من أصغر موظف في الدوائر الرسمية والوزارات». إضافة الى أن التيار قسّم العمل، «المنسق جوزف فهد والمرشحان الى النيابة توفيق سلوم وروجيه عازار يتوليان تمثيل الجنرال، فيما جورج يُسخّر جهوده للخدمات. المكتب أزاح عن كاهل عون المراجعات بالأمور الخدماتية اليومية». يوضح العوني كيف أن عون لا يمكنه أن يعمل كأي نائب تقليدي، «نفوذه لا يقتصر على منطقة واحدة كجنبلاط أو فرنجية». ولكن رغم ذلك، يمكن القول إنه «نائب يخدم في منطقة نوابها نائمون. نائب خدماتي بامتياز. وفي كسروان، هو تخطى منصور البون؛ يشارك في جميع المناسبات وإن عبر ممثلين، يراجع بالخدمات ويمارس السياسة».
عملياً، عون لا يتواجد في كسروان إلا نادراً، والتواصل معه محصور بالقنوات الرسمية. عن هذه النقطة، يقول دغفل إنه في البداية كانت الصعوبة تكمن في كون «الكسروانيين يعتبرون أنّ عون والبون يتشابهان، ويريدون مراجعة الرابية من أجل فاتورة كهرباء».