لمن يعرف رئيس الجمهورية ميشال عون او لا يعرفه، ثمة مسألة واضحة وضوح الشمس في النهار ولا يمكن اخفاؤها وهي ان عون عندما يخوض المعركة يستمر فيها الى النهاية بدون التراجع حتى لو كانت التكاليف والاعباء غالية الثمن، هكذا كانت مسيرة رئيس الجمهورية في قيادة الجيش وفي الحروب التي خاضها وتجربة الحكومة الانتقالية والمنفى ومن ثم العودة وتحقيق تسوناني مسيحي أعاده الى قصر بعبدا بعد فراغ لامس الثلاث سنوات . فهذا المشهد يبدو ذاته في استحقاق قانون الانتخاب الذي يبدو ان رئيس الجمهورية وبحسب مصادر مقربة من بعبدا، يعتبره أم المعارك منذ تربعه على كرسي بعبدا، فرغم كل المطبات والحواجز واعتراضات الزعيم الاشتراكي وهواجس تيار المستقبل الذي قطع معه رئيس الجمهورية عوائق وحواجز كثيرة في مرحلة التسوية، فان رئيس الجمهورية لم يقدم الى خطوة واحدة تشير بتسليمه بامر واقع، بل ذهب الى التهديد بالفراغ النيابي بكل محاذيره وخطورته ورغم قناعته بان الثنائي الشيعي لا يمكن ان يقبل به، كما لوح بالاستفتاء الشعبي الذي يزعج كثيرين من القوى السياسية بدون مراعاة احد، ومعنى ذلك هو ان رئيس الجمهورية يريد اي قانون الا الستين وان استحقاق الانتخابات تعني بالنسسبة الى عون «الرئيس والزعيم المسيحي» بانها معركة «أكون او لا أكون»، ولا تراجع فيها بل استمرار «حتى الرمق السياسي الأخير» .
ومع تسلل التسريبات بان ثمة اتجاهاً وقبولا سياسياً لقانون ميقاتي النسبي لتقسيم 13 دائرة انتخابية الذي كان ايضاً يلقى معارضة من تيار المستقبل كونه يجمع صيدا وصور والزهراني في دائرة واحد والمنية والضنية وعكار في دائرة اخرى، ومع ما رشح من اجواء عادت سليمة بين المستقبل ورئيس الجمهورية بعد جلسة مجلس الوزراء بعد ازمة صامتة بين السراي وبعبدا على خلفية تصعيد من وزير الداخلية جرت معالجته، فإن الامل بان يبصر قانون الانتخاب النور صارت كبيرة، وان كانت التوقعات تشير الى تمديد تقني قد يمتد ثلاثة اشهر لأواخر الصيف لشرح آليات القانون الجديد خصوصاً ان اي قانون يحتاج الى ترتيبات لوجستية على مستوى الدولة وتحضير الناخبين ايضاَ.
وعليه تقول اوساط سياسية فان رئيس الجمهورية مهما كان شكل القانون سيكون رابحاً لأنه لم يقدم تنازلات سياسية ولم يغير في وعده الدستوري للبنانيين، وان القانون سيصيب الساحة المسيحية بنشوة الانتصار سيكرس الثنائية المسيحية الجديدة لتفاهم معراب ثنائية تشبه الثنائية الشيعية التي استطاعت بتفاهماتها السياسية والتحالفية ان تمسك بالساحة الشيعية وتسير بها نحو الافضل لها .
وبالتالي فان اي قانون يعني ان التهميش المسيحي وتلاشي دور الاحزاب المسيحية الذي بدأ مع نفي ميشال عون وسجن سمير جعجع انتهى او ولى الى غير عودة تؤكد الاوساط، والمطلوب اليوم العودة بالمسيحيين الى الدولة واستعادة هيبة الرئاسة وانهاء حقبة مصادرة صلاحيات الرئيس. فاللاءات المسيحية كثيرة اليوم، «لا» لتمسية النواب المسيحيين من غير المسيحيين ومن القوى السياسية والكتل الكبرى ففي المجلس النيابي 64 نائباً لا يسمي المسيحيون نصفهم، فالنائب وليد جنبلاط يتحكم بستة نواب على لوائحه معظمهم من النواب المتمولين ، و«لا» الثانية لرفض امتحان رئيس الجمهورية وجره الى تسويات لصالح القوى والكتل الاخرى و«لا» لمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية .
بدون شك فان تفاهم معراب وثنائية عون وجعجع المسيحية استطاعت فرض واقع معين على الجميع، فافتراق المسيحيين في السابق في معسكرات متحاربة اضعف الساحة المسيحية وشرذمها بحيث تاه المركب المسيحي وصار بدون «قبطان» عرضة لأية رياح وعواصف، وهذه الثنائية أقلقت الزعيم الاشتراكي لانها تهدد زعامته في الجبل بعدما كان يصول ويجول في امارته الشوفية التي صارت حكراً خاصاً وملكية سياسية وانتخابية له، يصعد الى بوسطته من يشاء او يريده وليد جنبلاط وينزل منها الأقوياء المسيحيين، فهو لا يريد ان يشاركه احد من المسيحيين في الجبل ولا يريد ايضاً ان يصل اخصامه من الدائرة الدرزية على متن القانون الانتخابي الجديد . وبدون شك ايضاً كما تقول الاوساط السياسية فان التفاهم الذي حصل في الحكومة بين التيار الوطني الحر والقوات بحيث ساهم التيار في اعطاء القوات ما تريده من وزارات، فان هذا التفاهم سيكرر نفسه في الانتخابات النيابية المقبلة، فمسيحيو التفاهم قادرون على فرض او ايصال اربعة وخمسون نائباً بقوتهم الذاتية . وعليه فان معركة ما بعد قانون الانتخابات تطل برأسها، هي بدون شك معركة الحكومة المقبلة او حكومة العهد الثانية «ألاقوى» ومن بعدها معركة رئاسة الجمهورية وعليه يمكن فهم مواقف القوى السياسية وتعنتها اليوم لأن وضعيته السياسية ومستقبلها السياسي هو على المحك .