حوار «التيار» ــ «القوات»: من بيتهوفن إلى الفيس بريسلي!
عون في السعودية: أكثر من تعزية
العماد ميشال عون في السعودية.
هي المرة الاولى التي يزور فيها عون السعودية، علما انه حصل في الماضي ان وُجهت اليه دعوة لزيارتها، لكن ظروف تلبيتها لم تكن ناضجة في حسابات الجنرال.
ومع ان زيارته أتت في سياق التعزية بوفاة الملك عبدالله، لكن ذلك لا يقلل من شأن خطوة الألف ميل. وهناك في محيط الجنرال من يجد ان مبادرته، وبرغم طابعها الشخصي والبروتوكولي، هي دليل على بداية تحول إيجابي في العلاقة مع السعودية، وقد تكون قابلة للمزيد من التطور في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا واكبها تقدم جوهري في الحوار بين عون والحليف المسيحي للسعودية سمير جعجع.
استقل عون الطائرة الى الرياض، بعد جلسة صباحية طويلة عقدها في الرابية مع ممثله الى الجلسات التمهيدية للحوار مع «القوات اللبنانية» النائب ابراهيم كنعان. خُصصت الجلسة لوضع اللمسات الاخيرة على ورقة «إعلان النيات» المشتركة بين «التيار» و «القوات»، التي أصبحت بنودها شبه منجزة، بعدما كان مسؤول جهاز التواصل والإعلام في «القوات» ملحم رياشي قد نقل الى الرابية التصور النهائي لجعجع حول هذه الورقة.
ولوحظ ان رياشي أظهر في الايام الماضية حيوية إضافية، ما دفع كنعان الى ممازحته بالقول: معروف عنك انك من هواة الاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية لبيتهوفن، لكن يبدو انك أصبحت تستمع الى موسيقى الروك لـ «الفيس بريسلي»..
وكما بات معروفا، فان الورقة ستتضمن القواسم المشتركة التي تم التوافق عليها بين الطرفين خلال الاجتماعات التحضيرية، على مستوى الملفات الكبرى، ومنها تصحيح الخلل في توازنات السلطة، توحيد النظرة الى دور رئاسة الجمهورية وأهمية ذلك في مسار استعادة الحضور المسيحي القوي في الدولة، مقاربة قانون الانتخاب من زاوية تأمين أفضل تمثيل مسيحي ممكن في السلطة، قضية النازحين السوريين وما ترتبه من مخاطر..
إلا ان هذه الورقة لن تكون سوى المرحلة الاولى من ماراتون الحوار الذي يتطلب نَفَسًا طويلا.
بعد «إعلان النيات» المرتقب قريبا، بحضور عون وجعجع، سينتقل الطرفان الى المرحلة التفاوضية الاصعب المتصلة بالتفاهم على «ترجمة النيات» الى أفعال.
في نهاية المطاف، لا بد من تسييل الشيكات الورقية الى «نقد سياسي»، لا سيما على مستوى رئاسة الجمهورية التي ستكون من بين الاختبارات الاصعب لأي تقارب مفترض، علما انها مفتاح العديد من الابواب المغلقة.
والانطباع السائد لدى بعض مسؤولي «التيار الحر» ان مسار الحوار حتى الآن يوحي بانه لم تعد توجد مستحيلات في الملف الرئاسي، في اشارة الى ان دعم جعجع لانتخاب عون هو خيار انتقل من مصاف الخيال السياسي الى مصاف الفرضيات الممكنة.
لا يُخفي عون وجعجع صعوبة المرحلة المقبلة، وربما لا يستطيعان ضمان نجاحها، خصوصا عندما سيدخلان في التفاصيل. لذلك، هما مهتمان بـ «الرسملة» على ما تحقق حتى الآن، وحماية مكاسب «الجولة التأسيسية» للحوار، خصوصا بالنسبة الى تثبيت قواعد العلاقة المتبادلة في السراء والضراء..
وبهذا المعنى، يؤكد عون وجعجع انهما سيحرصان على الوصول الى اتفاق مرفق بترجمة عملية، وإذا بقيت هناك نقاط خلافية مستعصية على المعالجة، فان ذلك لا يعني، كما يُنقل عنهما، التدحرج الى الوراء والعودة الى لغة الصدام بكل ما تحويه من مفردات جارحة واتهامات قاسية، بل لا بد في هذه الحال من تنظيم الخلاف، والتعبير عنه بطريقة لائقة، انطلاقا من التنافس السياسي المشروع.
يدرك الرجلان، كما يستنتج زوار الرابية ومعراب، ان المسؤولية الملقاة عليهما كبيرة، وسط الآمال المعلقة على حوارهما في الوسط الشعبي المسيحي الذي دفع غاليا ثمن صراعهما، ويتطلع الى وقف تسديد فواتير هذا الصراع. وعليه، فان اي فشل للحوار سيولّد خيبة أمل مريرة وربما نقمة عميقة لدى عموم المسيحيين، ما سيؤدي الى انعكاسات سلبية مباشرة على صورة عون وجعجع بالدرجة الاولى.
ويعتبر المتفائلون، داخل الطرفين، انهما لن يفرطا بالايجابيات التي تم التوصل اليها، وأبرزها:
ــ التأسيس لحوار حقيقي وعميق، يغوص في جوهر الإشكاليات، بعدما كانت التجارب السابقة لا تتعدى حضور الحوار السطحي، الذي يعالج عارض «ضغط الدم» ولا يقترب من سببه وهو «السكري السياسي» المزمن الذي تعاني منه علاقتهما.
ــ إطلاق دينامية قادرة على اختراق جدار الموروثات القديمة، واستخراج القواسم المشتركة وترويض الخلافات المستعصية.
ــ طي صفحة الحروب الكلامية، و «تهذيب» الخطاب.
ــ احتواء الاعتراضات الكامنة التي ظهرت عند «المتوجسين» في صفوف الجانبين.