هذا الايقاع السريع والمبارك لمسيرة العهد الجديد مفهوم ومنطقي. وهو يعكس ارادة سياسية، ليس فقط لتعويض ما فات في زمن الشغور، وانما أيضا تناغما مع ايقاع سريع أعظم لأحداث في المنطقة، ولمتغيرات في العالم. ويعمل العهد، في اطار التناغم بين الرئاسات الثلاث، على العمل في خطوط متوازية في الداخل اللبناني من جهة، وفي محيطه العربي من جهة ثانية، وفي مداه الاقليمي من جهة ثالثة. والعمق الاستراتيجي للبنان هو المدى القومي والعربي. والزيارة الأولى لرئيس الجمهورية ميشال عون الى المملكة العربية السعودية تأتي في التوقيت المناسب، وفي اطار ردّ التحية بمثلها، لا سيما وان المملكة كانت هي صاحبة المبادرة الأولى في ايفاد وفد التهنئة بالانتخاب الرئاسي. ومن الطبيعي ان يتطلع لبنان الى زيارة ثانية يقوم بها رئيس الجمهورية الى مصر أيضا، والى غيرها من الأشقاء العرب.
أفضل سياسة خارجية يمكن أن يتبعها لبنان هي سياسة نصف الكوب الملآن عربيا واقليميا ودوليا، أي التعامل بايجابية مع الايجابيات. المضمون مهمّ، ولكن الأسلوب مهمّ أيضا. وما يليق بلبنان وبالعهد الجديد، ان يضيف الى روابط الأخوة مع الأشقاء العرب، التعامل باعتزاز وطني فينشد المشاركة والتعاون وليس طلب العون والمساعدات المالية. وهذا ينطبق أيضا على مداه الاقليمي. أما على الصعيد الدولي، فمن الواجب أن يبادر لبنان الى طلب حقوقه المستحقة على الخارج باصرار وثبات، في اطار سيادة لبنان واستقلاله. وان يضمن دعما قوميا وعربيا لمطالبة المجتمع الدولي بحلّ أزمة النازحين السوريين، وبدفع ما يتوجب ذلك المجتمع مرحليا، كما العمل على حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم في اطار حلّ سلمي اذا أمكن، وفقا للقرارات الدولية والعربية.
عندما تستقيم أوضاع لبنان الداخلية، فما يليق به انتهاج سياسة خارجية كان قد تمرّس بها سابقا بدور قومي يهدف الى اعادة التضامن العربي، والى مدّ الجسور في الاتجاهات الصحيحة لتسود علاقات حسن الجوار في المنطقة، والخروج من وباء الصراعات الطائفية والمذهبية، لاحلال السلام والأمن والتعاون والازدهار لشعوب المنطقة العربية وغير العربية على السواء… هذا على الرغم من كل مؤامرات الكيان الصهيوني الذي يعمل على زيادة تعميق الشق بين العرب أنفسهم، وبين العرب وجيرانهم وغيرهم من دول العالم…
… ومن آخر ابتكارات رئيس حكومة المتطرفين في اسرائيل بنيامين نتنياهو، انه يذهب بعيدا في حالة الانكار التي تعيشها حكومته، لالغاء أي وجود للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقّه المشروع في مقاومة الاحتلال. ولهذا السبب زعم نتنياهو ان حادثة الدهس التي نفذها فلسطيني في القدس تمت بايعاز داعشي… واذا صحّ هذا الزعم – وهو غير صحيح – فكأن نتنياهو يقول ان الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا في العملية انما قتلوا ب نيران صديقة!