بعدما عَطّلَ انتخابات الرئاسة، ها هو العماد ميشال عون يَسعى لتعطيل الحكومة التي شاركَ فيها وتحمَّسَ لها، على أمل أن يؤدّي التوافقُ الذي أنتجَها إلى توافقٍ مماثل على انتخابه رئيساً للجمهورية.
منذ تأليف الحكومة وعون يَسعى إلى إزالة العقبات من أمام انتخابه من دون أن يوَفّق، فقد افتتح حواراً مع تيار «المستقبل» جَعله يصَدّق ويروّج في لحظةٍ ما لموافقةٍ «مستقبلية» على انتخابه، لكن تبيّنَ فيما بعد أنّ الرياح جرَت بما لا تشتهي السفن الرئاسية، فالرَجل صُنِّف مسبَقاً حسب تحالفاته أنّه مرشّح إيران لانتخابات الرئاسة، ما يَعني أنّ دون وصوله عقبات، تتجاوز الحوارات الداخلية ومجرّد فتح صفحة جديدة مع تيار «المستقبل» أو غيره من القوى.
بعد فشلِ الحوار مع «المستقبل»، ارتأى عون أن يرتدّ إلى الساحة المسيحية، ففتحَ حواراً مع الدكتور سمير جعجع، ما لبثَ أن حوَّله رسائلَ وإنذارات، بضرورة الموافقة عليه رئيساً تحت طائلة الحوار، وبعدمِ استقبال جعجع في الرابية، إلّا بعد أن يعلنَ موقفاً واضحاً في هذا المجال.
لكنْ تبيّنَ مرّةً أخرى أنّ جعجع لم يكن في هذا الوارد، وكلّ ما توصَّل إليه المتحاوران، هو قبول جعجع بإجراء استطلاع رأي رئاسي لا قيمة دستورية له، ولم ينجَح عون في ترتيب البيت المسيحي لمصلحته، والسبب الحقيقي يعود، كما في حواره مع «المستقبل»، إلى تموضعِه الأعمى إلى جانب حزب الله، وتأييده القتالَ بسوريا.
بعد هذه الرحلة غير الموَفَّقة التي حاولَ فيها عون إغراءَ «المستقبل»، وكَلَّفَته وضعَ الاتهامات بالفساد طيَّ النِسيان، وبعد الانقلاب على كلّ التهَم التي ساقَها في حقّ جعجع «بالإجرام» ثمّ العودة إلى التحاور معه، ها هو يلعب الورقة الأخيرة المتمثّلة بتعطيل الحكومة، وهو ما سيضعُه في مواجهة داخلية مع أطراف في 8 آذار أوّلهم الرئيس نبيه برّي، كذلك في مواجهة مع مناخ دوليّ وعربي، يغَطّي استمرارَ الحكومة، في اعتبار أنّ ذلك أصبح العنوان الأخير لاستمرار الدولة، ولحفظِ الاستقرار الأمني الذي كاد يهتز منذ أيام في السعديات.
والواضح مِن خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أنّ توَجّهاً عمَلياً قد أرسِيَ داخل الحكومة يعارض تعطيلها، والواضح أنّ حزب الله الذي تضامنَ شَكلاً مع عون، تركَ لحليفِه برّي لعِبَ دورٍ كبير في تغطية رئيس الحكومة تمّام سلام، في سعيِه للاستمرار في عقد جلسات الحكومة، بحيث بدا، كما قال وزراء شاركوا في الجلسة، أنّ أولوية استمرار الحكومة تتجاوز أجندة عون، باعتبار أنّ استمرارَها يَمنع الانتقالَ إلى أجواء التشنّج، ويعزّز التبريد الإسلامي ـ الإسلامي، الذي تمّ التعبير عنه من خلال استمرار الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» على رغم ما حصل في السعديات.
تبدو الورقة الأخيرة التي يلعبها عون والمتمثّلة بتعطيل الحكومة غيرَ قابلةٍ للصَرف، ففي وقتٍ يَستفيد من الحوار مع «القوات اللبنانية» ومن المهادنة النسبية مع تيار «المستقبل»، للمضيّ في التعطيل، تدور معركتُه الأساسية مع تحالف عريض داخل الحكومة، يرى في تفجير الحكومة تفجيراً للبَلد، ويستفيد سلام من هذا التحالف للاستمرار في تفعيل الحكومة، وعزلِ عون إلّا من تأييدٍ شكليّ يُبديه وزراءُ حزب الله، الذين ترَكوا لبِرّي إدارةَ اللعبة وإخراجَها، بطريقة لا تهدّد التضامن الشَكلي مع مطالب عون التعجيزية التي لا يَستطيع الحزب مجاراتها، لأسباب تتّصل بوضعِه الداخلي وبقتاله في سوريا، وبنتائج الاتفاق الأميركي ـ الإيراني الذي ستبدأ نتائجه بالظهور قريباً.