فوجئ أحد أعضاء فريق استشاري يتردّد أسبوعيًّا الى الرابية، عندما سأل رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون عن أسباب تهديده بـ»الصدام»، مرتين، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة مع الزميل جان عزيز، فجاء جواب الجنرال: «أنا مثل قبيلة «زولو» أفضّل الهجوم على الدفاع، لأن في الهجوم إمكانية للربح أما الدفاع فمصيره البقاء حيث أنت. هذه العقيدة العسكرية هي التي أتبنّاها في المرحلة الراهنة.. ولنَرَ».
لم يكن زائر الرابية يعلم شيئاً عن قبيلة «زولو» ولا عن عقيدتها العسكرية، ولا عمّن لفت انتباه الجنرال إليها. سأل بعضهم فتبيّن له أن أحد المثقّفين المقرّبين من النائب عون هو من عرض للأخير موجزاً عن هذه القبيلة وطقوسها وتقاليدها.. فأعجبته.
ثم عاد الزائر الى منزله ليستعين بالإنترنت باحثاً عن سيرة لها، فتبيّن له أن «زولو» مجموعة من القبائل الإفريقية «اشتهرت بخصائصها القتالية الباسلة وولعها بالحرب، وخلال عشرينات القرن الثامن عشر بدأت بقيادة زعيمها الشهير «شاكا» بمهاجمة الشعوب المجاورة بوحشية ضارية. وكان المقاتلون مدرّبين تدريباً عالياً وملتزمين بالنظام، وسرعان ما أصبحت «زولو» أقوى جماعة بين مواطني جنوب إفريقيا. لكن حملاتهم الحربية ما لبثت أن جعلتهم يصطدمون بالأوروبيين». (انتهى الاقتباس عن الإنترنت)
طبعاً، يقول متابعون لموقف العماد عون، إن تلويحه بـ»الصدام» لم ينبع من اطّلاعه على تجربة «زولو» وعلى عقيدتها العسكرية، وإنما جاء نتيجة اقتناعه بأن التطوّر السوري الجديد، المتمثّل بالتدخّل الروسي الجوّي، يصبّ في مصلحة الجنرال سياسياً و»رئاسياً»؛ وهو لم يُخفِ هذه القناعة لا في المقابلة التلفزيونية ولا في مجالسه الخاصة، حيث يؤكد لكل من يلتقيه أن الأمور» تذهب في اتجاهنا الصحيح في سوريا، وهي باتت تتطلّب الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم. ميزان القوى يتغيّر في المنطقة لصالحنا فلا يجوز الانتظار».
سبق ذلك أيضاً إيعاز الجنرال لمناصريه بحمل صور فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، في التظاهرة التي نظّمها على طريق قصر بعبدا، في ذكرى 13 تشرين، قبل أن يكتشف (قبل أيام قليلة) وعن طريق أصدقاء للجنرال زاروا موسكو التقوا مسؤولين في الخارجية هناك، أن روسيا ما زالت متمسّكة بموقفها الداعم لانتخاب رئيس «توافقي» في لبنان، وأن تدخّلها العسكري في سوريا لا يعني البتّة تعديل موقفها «الثابت» هذا، المنطلق أساساً من «ثوابت» لبنانية مفادها صعوبة انتخاب رئيس «تصادمي» في لبنان، من 14 أو 8 آذار.
والمعروف أن تقريراً ديبلوماسياً ورد الى وزارة الخارجية اللبنانية قبل شهور كشف عن هذا الاتجاه الروسي.
كما نُقل الى النائب عون تأكيد أن الديبلوماسية الروسية ما زالت تسعى مع طهران لتحقيق هذه النتيجة، أي انتخاب رئيس «توافقي»، وأنه رغم فشل المحاولات السابقة، ما زالت موسكو تفاتح الجانب الإيراني بوجوب فتح الأبواب أمام هذه التسوية.
ولا يخفى على رئيس تكتل «التغيير»، كما تقول مصادر كنسية متابعة، أن الفاتيكان نفسه يجري اتصالات مع طهران، حيث هناك تمثيل ديبلوماسي لعاصمة الكثلكة، ويسعى عبر ديبلوماسيته الناشطة الى فتح الطريق أمام انتخاب رئيس «توافقي» يُبعد عن المسيحيين شرّ الفراغ ويعيد إليهم دورهم وموقعهم في النظام اللبناني.
ورغم فشل المحاولات الفاتيكانية المتكررة التي شملت أكثر من عاصمة دولية مثل واشنطن وموسكو وباريس، فإن الكرسي الرسولي يدرج موضوع انتخاب رئيس للبنان في سلّم أولوياته، ولا يترك مناسبة أو مركز قرار إلا ويثير هذا الملفّ من أجل تحقيق نتيجة ملموسة.
وتذكّر هذه المصادر برهانات مماثلة سابقة للجنرال باءت كلها بالفشل، بدءاً من رهانه على الولايات المتحدة الأميركية (في 1989) من أجل فتح الطريق أمامه الى قصر بعبدا، مروراً بالرهان على سوريا، ومن ثمَّ على فرنسا، ومن ثمَّ على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ومعه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.