في 12 تشرين الاول 1990 كانت آخر دفعة من التظاهرات العونية الحاشدة تصل الى الباحة الخارجية الى «بيت الشعب» في بعبدا. انتظر فرنسوا حلال آخر ظهور لميشال عون يبدأ فيه خطابه بعبارة «يا شعب لبنان العظيم» ليرفع مسدسه الذي هرّبه داخل مشدّ ملتصق بجسمه، مطلقا النار على «الجنرال» المحاط بعسكره ومؤيّديه، وكان بين الحضور من كان يتولى المراقبة واحتمال أن ينضم الى فرنسوا في عمليته.
فشلت المحاولة الشيوعية غير المنسقة مع دمشق، لتفسح المجال أمام الطائرات السورية التي قامت بـ «واجبها» تحت غطاء أميركي استمر حتى صدور القرار 1559.
في زمن الطائف، قال عون سأخوض المعركة بمن حضر وهي تتّسع لمن يشاء لانها معركة وجود. اعلنها مقاومة «مهما تكن النتائج». هو صاحب شعار «حق القوة يسقط أمام قوة الحق». توعّد الجميع عون بساعة الحساب فأتت على شكل سرب طائرات سورية في 13 تشرين 1990. لم تشفع مطالبة «الجنرال» بحلّ على اساس الطائف «زائدا فاصلة».
في الثامن من آذار 1990، دعا عون الى حلّ يقبله اللبنانيون «ويمكنني عندئذ أخذ إجازة». لم يأت الحلّ ولم يعرف عون يوما طعم الإجازة. أدار الداخل والخارج ظهره لمطالبة بدت من خارج السياق، وفيما كانت طبخة الحلّ العسكري تحضّر على نار التقاطعات الاقليمية، يصدف أن يبرق الرئيس عون مهنّئا الرئيس عبد الله صالح بوحدة اليمن بعد قيام الجمهورية اليمنية.
صدام حسين يجتاح الكويت ويربط انسحابه بانسحاب اسرائيلي من لبنان وسوريا وانسحاب سوري من لبنان، بعدها تبدأ أول تظاهرة شعبية ضخمة باتجاه قصر بعبدا على وقع إقرار النواب للاصلاحات الدستورية. وفيما اقفلت حكومة الرئيس سليم الحص المعابر كافة الى المنطقة الشرقية، جاهر رئيس الحكومة العسكرية قائلا «من يصمد أكثر يربح».
مسار الاحداث ليس نفسه اليوم. لكن ميشال عون هو نفسه. لم يتغيّر كثيرا. الاصحّ، أنه صار أكثر جذرية في خياراته فقط لانه يعتبرها «محقّة»!
في الثالث عشر من تشرين الاول 2015، سيستعيد «الجنرال» جزءا من تاريخ رسم لاحقا هوية معدّلة لـ «المجنون بوطنه»، لكنها لم تلغ الأساس والثوابت في مساره.
حين يصل به الأمر الى حدّ المجاهرة بقبوله التخلّي عن رئاسة الحكومة شرط الانسحاب السوري من لبنان وحين تأتيه الرئاسة مغلّفة بشروط سورية في شباط 1989 ويرفضها، هو يشبه ميشال عون كثيرا بطبعة ما بعد المنفى «لا أريد رئاسة الجمهورية بل الجمهورية».
«الفاصلة» التي لطالما طالب بها عون في المفترقات المصيرية بدا ان هناك من كان يعاند دوما منحه إياها. في أيام الحرب كما في أيام السلم. ثمّة تشابهات زمنية في الاحداث بين مرحلة الطائف وما بعد الـ2005 تثبت لميشال عون رؤيته بأنه كان مشروع استهداف دائم من قبل الاخرين. يتغيّر الخصوم بتغيّر الظروف، لكن المستهدف واحد.
من 13 تشرين الى «التحالف الرباعي» والحصار المنظّم على «الجنرال» داخل السلطة، ثم حرب سوريا ورهاناتها، وبروز نزعة «الاقصاء»، وفق تعبيرات الرابية، في التمديدين المتتاليين لمجلس النواب والتمديدات العسكرية وتجاهل سلّة المطالب الاصلاحية و «مشروع» استعادة الحقوق والقفز فوق «الترشيح الطبيعي» للرئاسة.. مسار لا يصنّفه ميشال عون سوى أنه «إمعان ممنهج في الالغاء والتهميش»، ويردّد دوما أنه سيقاومه «حتى الرمق الاخير».
ذكرى 13 تشرين الاول هذا العام ليست عادية لا في الشكل ولا في المضمون. يتحدّث العونيون عن أزمة وجودية صار السكوت عنها جريمة. ثمّة رسالة سيحرص «الجنرال» على تكرارها في الحادي عشر من تشرين المقبل مفادها «لا لرئيس يكون صفرا على الشمال. لا لرئيس دمية».
سيقال هذا الكلام ليس من الرابية ولا من ساحة الشهداء بل على مشارف القصر الرئاسي للمرة الاولى. العونيون سيزحفون مجددا الى «بيت الشعب» محمّلين بسلّة هواجس ومطالب لا تختلف كثيرا عمّا دفعهم الى «التخييم» في بعبدا قبل 25 عاما. الاهمّ ان الرقم ستكون له دلالاته. المنظّمون يسعون لتسجيل «سكور» في المشاركة العونية في التظاهر.
اليوم الاثنين سيتقدّم «التيار الوطني الحر» بطلب ترخيص أمام محافظ جبل لبنان للتظاهر يوم 11 تشرين الاول أمام مداخل قصر بعبدا، فيما التنسيق سلك طريقه مع مخابرات جبل لبنان وقائد لواء الحرس الجمهوري العميد وديع الغفري كون التظاهرة تحصل في نطاق بقعة عمليات اللواء. وفق المنظّمين، التظاهرة قائمة مهما استجدّ من تطوّرات وتفاهمات.
ويبرز حرص متبادل، من جانب الجيش و «التيار»، على تأمين مناخات «سليمة وسلمية» ليوم التظاهر. يقول العونيون إنهم قدّموا دلائل سابقا بأنهم ليسوا «هواة» تخريب وافتعال صدامات، وتظاهرة ساحة الشهداء الاخيرة نموذجا. همّ يريدون ايصال رسالة فقط في ذكرى 13 تشرين. الجيش من جانبه معني بحماية أمن قصر بعبدا ومحيطه، وطالما لا تجاوزات لهذا الخط، فان عناصره سيتولون حماية المتظاهرين «عن بعد».
وفق طلب الترخيص، فان النقطة التي سيصل اليها المتظاهرون تقع عند «طلعة القصر»، اي عند التقاطع الرئيسي الممتدّ صوب «مدرسة الحكمة»، ونزولا صوب الحدث، وصعودا باتجاه مستشفى قلب يسوع. وهناك سوف يشيّد مسرح لالقاء الخطابات، وفيما سيلقي المنسق العام لـ «التيار» بيار رفول كلمة في المناسبة، فإن المعلومات تؤكّد مشاركة رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، ولاسباب أمنية لم يعرف إذا كانت كلمة ميشال عون ستقتصر على إلقائها عبر الشاشة مباشرة من الرابية، او ان «الجنرال» سيفاجئ «شعب لبنان العظيم» بحضوره شخصيا.
يؤكّد رفول «ان التظاهرات الشعبية مفتوحة على أكثر من مكان وزمان»، من دون ان ينفي أو يؤكّد إذا كان قصر بعبدا سيشهد جولات إضافية من التحرّكات «البرتقالية». يشدّد على «اننا لم نطلب من أحد من حلفائنا مشاركتنا في هذا التحرّك الذي سيقتصر على محازبي «التيار» ومناصريه، مع العلم ان كافة خطواتنا منسّقة معهم. أنه ربيع لبناني من أجل المصلحة اللبنانية». وماذا عن «حزب الله»؟ يردّ رفول «ربما الوقت بكير على طلب ذلك منهم!».