IMLebanon

عون يقاتل «دائرياً» وبري يجمع «الماء بالنار»

بلغت التجاذبات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والعماد ميشال عون سقفا عاليا وصل الى حدود اعلان عون الشهير «من يتركني اتركه» وعلى الرغم من توصيف نواب (امل) ان الخلاف مع الجنرال في التكتيك وليس في الاستراتيجية، الا ان الصحيح ان الامور وصلت الى حدود القطيعة بين الفريقين بحسب مصادر متابعة لحراك الطرفين، على خلفية وقوف نواب كتلة «الاصلاح والتغيير» الى جانب نواب «القوات» و«الكتائب» في رفض المشاركة بالجلسة التشريعية التي يجاهد بري لعقدها على قاعدة ان «البرتقاليين» يرون ان المشاريع التي يسعون الى اقرارها لا تمر، بل غالبا ما تم تمرير ما تريده الاطراف الاخرى على حساب الغبن المسيحي وربما قضية التعيينات لملء الشواغر في المراكز الامنية اكبر دليل على ذلك اثر القرار الصادر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق بالتمديد سنتين لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، اكبر دليل على ذلك. ما استفز الجنرال الذي نطق بفم وزير الخارجية جبران باسيل الذي اعلن ان المسيحيين نصف البلد، ولن يسمحوا بتجاوزهم في كافة الملفات، كون الاطراف الاخرى تعمل وفق منطق «ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم». وهذا الامر سيدفع بالجنرال الى قتال دائري اذا جاز التعبير ليتراصف رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في خانة «الكباش» الى جانب بري الذي يجهد ليحافظ على الوقوف في منتصف الطريق بين كافة الفرقاء وتبريد الرؤوس الحامية في وقت يخوض فيه «حزب الله» معركة جرود عرسال وما يترتب عليها من نتائج.

ولعل اللافت ان الاتصالات التي جرت في الكواليس، تضيف المصادر، ادت الى عودة نواب «التيار الوطني الحر» الى ديوانية الاربعاء في عين التينة، مع الاصرار على موقفهم الرافض لحضور الجلسة التشريعية التي يسعى بري الى انعقادها لدرس واقرار المشاريع التي تساهم في حلحلة عجلة الدولة، ولو تحت شعار تشريع الضرورة، اضافة الى مقاطعتهم الجلسات التي عيّنها بري لانتخاب رئيس للجمهورية والتي بلغ عددها 24 جلسة وترحيل الموعد الجديد الى 24 من الجاري الذي لن يكون مصيره الا كما سبقه من مواعيد لانجاز الاستحقاق الرئاسي.

واذا كان الفاتيكان قد اوفد الكاردينال دومينيك مومبرتي لاستطلاع اوضاع المسيحيين في لبنان والشرق وسعيه لاقناع المقاطعين من الاقطاب المسيحيين بالتوافق على انتاج رئيس كونه الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، الا ان مومبرتي غادر بخفي حنين على حد قول المصادر، بينما يحاول الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو الدفع باتجاه انجاز الاستحقاق. الا ان الامر ابعد بكثير من قدرة اللاعبين المحليين وبري ادرى من الجميع بذلك، يوم اعلن عن اسفه على اضاعة الفرصة اليتيمة ذات جلسة، إضافة الى ان همه وقلقه يكمنان في الوجود التكفيري داخل البيت عبر الخلايا الراقدة وما يزيد من مرارته كيف اصابت نعمة «الطرش» اذان اللاعبين، وكأن البلد ينتمي الى العمق الاوروبي وليس في فم التنين التكفيري.

واكدت المصادر ان اصوات آلاف القذائف لا يسمعها المعنيون في زمن تباد فيه المدن والانظمة والدول وما يقلق بري ليس الغباء السياسي الضارب على الرقعة بل ان يعيد التاريخ نفسه فيوم حاصر محمد الفاتح القسطنطينية كان هم جهابذتها الجدل حول جنس الملائكة وقبل ان يصلوا الى نتيجة هل هو ذكر ام انثى، كانت الانكشارية العثمانية تدك بيزنطية وكذلك هو واقع الحال على الرقعة المحلية التي لا تزال الاقل تضررا من محيطها. فبدل ان يتلقف الاقطاب المعنيون الفرصة التي سنحت ذات جلسة لانتخاب رئىس للجمهورية ضربوا بها عرض الحائط ليصبح انجاز الاستحقاق الرئاسي مرهونا بتوافقات اقليمية – دولية.

وتضيف المصادر انه في ظل الظلام الذي يضرب المنطقة وانعدام الرؤية على الساحة المحلية وعلى الرغم من ارتفاع الشحن المذهبي السني – الشيعي، نجح بري في استدراج «حزب الله» و«المستقبل» الى طاولة الحوار التي وفرت على اللبنانيين جميعا نار جهنم وسبق له كما هو معروف انه اخترع طاولة الحوار ابان التمديد للرئيس اميل لحود وجمع اليها كافة الاقطاب وتفنن في فك الاعتصام من الوسط التجاري الذي كان يحاصر السراي ايام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وكان من ابرز اللاعبين في اتفاق الدوحة الذي انتج انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتشكيل حكومة السنيورة واجراء الانتخابات النيابية في العام 2009.

وتشير الاوساط الى ان بري قلق من سقوط الهيكل على رؤوس الجميع وسط علو سقف الخطاب السياسي والتقاصف بالتهم على وقع معارك جرود عرسال التي ستشكل نتائجها نقطة مفصلية على صعيد الكيان والكينونة. الا انه وعلى الرغم من سوداوية المشهد على صعيد المنطقة لا يزال بري يرى بصيصا من الامل للوصول بالبلد الى بر الامان كون هناك شبه اجماع دولي على منع انتقال «الفوضى الخلاقة» الى الساحة المحلية. من هنا يصر على الوقوف في نصف المسافة بين الاطراف كافة على الصعيدين المحلي والاقليمي ما يجعل منه اطفائىا بامتياز وربما قدره ان يكون كذلك ليكافح الحرائق بما ملكت يمينه، ولو كان قليلا، كونه يعرف ان البلد ليس في العمق الاوروبي.