إذا كان الكلام عن إيجابيات نتجت عن لقاء الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة، بما يتعلق بالتوافق على عقد جلسة تشريعية، وبالتمهيد المحتمَل لتوافقٍ على إسمٍ توافقي للرئاسة، فإنّ المسار العام لا يوحي بحصول اختراق وشيك في الأزمة الرئاسية، طالما بقي «حزب الله» متمسكاً بترشيح العماد ميشال عون، وطالما بقيت مبادرة الدكتور سمير جعجع التي تحوّلت الى مبادرة لقوى «14 آذار» من دون جواب.
خذلت التطوّرات السريعة في المنطقة إيران وحلفاءها، وأتى تشكيل الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على داعش، ليضع هذا الفريق في موقع الانكشاف، فلا هو قادر على التملّص من دعواته لقتال داعش، ولا هو قادر على إيجاد مكان في التحالف الدولي بشروطه.
من هنا يمكن ملاحظة إرباك عون ووزير خارجيته جبران باسيل الذي لجم اندفاعته لمحاربة داعش، واصطفّ تحت السقوف الإيرانية، فبدا كأنه وزيرٌ صُوَري لخارجية لبنان، فيما نفّذ عملياً، دبلوماسية إيران.
أما عون فإنّ صوته المنخفض بعد بدء ضرب داعش على يد التحالف الدولي العربي والاسلامي، كان خير تعبير عن إرباك سببه ارتباطه بموقف حزب الله، المرتبط بدوره بسياسة إيران. تبعاً لهذا الواقع، بدأت مراجع داخلية تلاحظ تغييراً نسبياً في موقف حزب الله وإيران من الاستحقاق الرئاسي، باتجاه ترتيب تسوية.
وهذه المراجع تتحدّث عن بقاء حزب الله على موقفه من دعم عون، لكنها تلفت الى وجود اتصالات عبر أكثر من قناة، لبدء البحث بتسوية رئاسية، تقطع الطريق على الاحتقان المذهبي، الذي لم ينجح تشكيل الحكومة في منعه وتفاقمه.
هذه البدايات كما تقول المراجع، تنطلق من حاجة إيران الى إضافة عناصر تساعدها على المزيد من تقديم أوراق الاعتماد للولايات المتحدة، باعتبار أنّ كل ما يجري في المنطقة، يدور الآن على وقع عزلة إيرانية متمادية. العرب دخلوا في التحالف، وروسيا محاصَرة ايضاً، والعراق بحكومته ذات الغالبية الشيعية لم يكن له خيار آخر، أما النظام السوري، فقد بات معروفاً أنه خارج اللعبة كلياً، بحكم الرفض الدولي لإعادة الاعتراف بشرعيّته.
وتتحدّث المراجع الداخلية عن جملة توافقات باردة ستتمّ في المدى القريب. التمديد للمجلس النيابي سيحصل، ربما سيكون حتى انتهاء ولاية هذا المجلس، وهذا ما يريده حزب الله، وما يمكن أن يسير فيه تيار المستقبل ولو مرغماً. وحتى لو لم تصوّت بعض الكتل على هذا التمديد، ككتلة بري مثلاً والكتائب والقوات، فإنّه سينال الغالبية بفعل موافقة النائب وليد جنبلاط، وبعض النواب المسيحيين المستقلين.
أما في الانتخابات الرئاسية، فإنّ بداية ترجمة المساعي غير المعلنة الجارية الآن، قد تبدأ بالتفتيش عن اسم تسوية. وهذا يعني تجاوز حزب الله لترشيح عون، كما يعني نيل هذا الاسم موافقة مسيحية 14 آذاراية وقواتية تحديداً، حيث تعهّد حلفاء جعجع في الداخل والخارج التمسكَ بأن يكون «عراب» التسوية.
ما تقوم به إيران الآن هو مراقبة التحالف وهو يضرب داعش، على وقع رهان بتكرار تجربة إسقاط صدام حسين، التي استطاعت إيران من بعدها السيطرة على العراق، لتعود وتخسرها جزئياً مع ظهور داعش.
أما الوضع اليوم فبات مختلفاً، فالاميركيون لم يدخلوا في هذه الحرب، إلّا بعدما أزاحوا رجل إيران نوري المالكي، وفتحوا الباب أمام بداية تسوية سنّية شيعية في العراق، سوف تُقزِّم خريطة النفوذ الايراني. كذلك فإنّ الاميركيين تعهدوا بتدريب وتسليح فصائل المعارضة السورية المعتدلة، ما يعني أنهم لن يضربوا داعش لمصلحة بقاء النظام السوري.
في لبنان التسوية الرئاسية تنتظر، وبالتأكيد إن نضجت هذه التسوية فستكون على قياس ومثال العملية السياسية التي بدأت في العراق، والتي ستبدأ في سوريا على شكل مرحلة حكم انتقالية.
هذه التسوية ستأتي باختيار اسم كحيدر العبادي، وبالتأكيد لن يكون عون عبادي لبنان، كون ترشيحه يشبه بروفيل المالكي، ففي وقت اسقطت التسوية المالكي في العراق، فإنها إن نضجت فلن تأتي بعون في لبنان.