Site icon IMLebanon

عون – جنبلاط: قصة «التعايش الإضطراري»

 

قال رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط كلمته ومضى الى.. التهدئة. إنفتاح على رئيس الجمهورية ميشال عون ووقف إطلاق نار مع رئيس الحكومة سعد الحريري. الأكيد انّ الايام القليلة الماضية لم تكن كافية لمعالجة كل هواجس جنبلاط، لكنّ رسالته المدوية وصلت، ولا بأس في إعطاء بعض الوقت لاختبار مفاعيلها.

 

يكفي بالنسبة الى جنبلاط أنه نجح، مبدئياً، عبر الهجوم السياسي الذي شنّه أخيراً في تحسين شروط التفاوض على ما يهمه في المرحلة المقبلة. بهذا المعنى يصبح حصر الخسائر إنجازاً في حد ذاته، بعدما شعر انّ «التفاهم» بين الحريري والوزير جبران باسيل، والذي أتت الحكومة على قياسه، إنما أفضى الى تهميشه.

 

ولعلّ اكثر ما يخشاه الزعيم الدرزي هو احتمال وجود «ملاحق سرية» لهذا التفاهم، على اكثر من صعيد، فكان لا بد من «انتفاضة مصغرة» قبل ان تنال الحكومة الثقة وتنطلق في عملها، بغية منع الأسوأ والأخطر، على قاعدة «الأمن السياسي» الاستباقي.

 

إعتمد جنبلاط في معركته الخاطفة ضد الحريري «القوة النارية» الكثيفة التي أوصلت الرسالة الاعتراضية في أقصر وقت وأبلغ طريقة، بحيث بات يمكنه العودة مجدداً الى الحوار من موقع أقوى وأفضل.

 

امّا علاقة جنبلاط مع عون، فإنها تكاد تكون اكثر حساسية ودقة، أولاً لأنّ الطرف الآخر فيها هو رئيس الجمهورية، وثانياً لأنّ الجبل يتأثر مباشرة بانفراجها او انفجارها نظراً الى طبيعة تركيبته الدرزية – المسيحية.

 

وعليه، يحاول رئيس «الاشتراكي» التمييز قدر الامكان بين متطلبات التعاطي مع عون كرئيس للدولة وبين الموقف من باسيل في اعتباره رئيس «التيار الوطني الحر»، وإن يكن في قرارة نفسه يعلم انّ هذا الفصل غير واقعي.

 

ومع ذلك، سعى عون وجنبلاط بعد الانتخابات النيابية الاخيرة الى إيجاد صيغة لتنظيم علاقتهما، عند الاتفاق وعند الخلاف، فما هي قصة هذا المسعى؟

 

بعد فشل محاولات الائتلاف «الاشتراكي»- «البرتقالي» في الجبل خلال الانتخابات الماضية وخوض الطرفين معركة تنافسية حادة في الشوف وعاليه، أراد جنبلاط لاحقاً أن يداوي آثار تلك المرحلة ويخفف من وطأتها على النسيج المسيحي – الدرزي، فزار عون في قصر بعبدا عقب تكليف الحريري تشكيل الحكومة.

 

في تلك الجلسة، سادت المصارحة المتبادلة، واتفق الرجلان على فتح صفحة جديدة قوامها التفهّم المتبادل بهدف إراحة الجبل، وتحقيق الانماء فيه، وتثبيت عودة المهجرين واستكمالها، على ان يكون هذا الاتفاق بمثابة مرجعية للعلاقة الثنائية ولمعالجة ما يمكن أن يطرأ عليها.

 

سلكت الأمور منحى إيجابياً لفترة لا بأس بها بعد ذلك الاجتماع، الى ان وقعت حادثة الجاهلية الشهيرة وما تلاها من مواقف حادة لكل من طلال ارسلان ووئام وهّاب ضد جنبلاط. إمتعض رئيس «الاشتراكي» آنذاك ممّا اعتبره نوعاً من الانحياز الرئاسي الى جانب خصمَيه في الجبل، الأمر الذي أدى الى فتور بينه وبين عون.

 

ثم أتى دور باسيل في مفاوضات تشكيل الحكومة على حساب «اتفاق الطائف» وصلاحيات الحريري، وفق اعتقاد جنبلاط، ليزيد منسوب التوتر لديه وصولاً الى التصويب المباشر من «خنادق» كليمنصو على باسيل بأشكال مختلفة، علماً انّ شظايا هذا الاشتباك أصابت قصر بعبدا.

 

كاد اشتعال جبهة كليمنصو- «بيت الوسط»- بعبدا، يهدد انطلاقة الحكومة الجديدة التي لا تزال طرية العود. تحركت الوساطات على اكثر من خط، لتُفضي الى التهدئة التي مهّدت لزيارة الوزيرين أكرم شهيّب ووائل ابو فاعور الى قصر بعبدا، حيث التقيا عون وناقشا معه الأسباب الكامنة خلف انزعاج حنبلاط.

 

بعد أخذ ورد، تفاهمَ الجانبان على إعادة تفعيل «اتفاق بعبدا» بين عون وجنبلاط، وقد سمع الوزيران من رئيس الجمهورية حرصاً على الالتزام بما سبق ان توافق عليه مع الزعيم الدرزي في آخر لقاء جمعهما، وهي إيجابية قوبلت بمثلها من جنبلاط الذي اعتبر انّ «الصدمة» التي أراد إحداثها فعلت فعلها، وأنّ عليه الآن البناء على مفاعيلها ووقف التصعيد عند الحدود التي وصلها.

 

يدرك عون وجنبلاط انّ عليهما إجراء تمارين على «التعايش الاضطراري»، لحسابات تتصل بتوازنات الجبل والسلطة، لكنّ كسب هذا التحدي ليس مضموناً في استمرار، في ظل وجود عوامل عدة تفرّقهما وتحول دون سريان منتظم للدم في الشريان الممتد من بعبدا الى المختارة.

 

ويستغرب القريبون من جنبلاط ما يُروج أحياناً من جانب «التيار الحر» حول انّ رئيس «الاشتراكي» يساهم في «محاولات تطويق العهد»، متسائلين: «أي أسلحة نملكها لنشارك في هذا الحصار الافتراضي؟».

 

ويضيفون: «من يستحوذ على الجزء الاكبر من الحكومة والسلطة هو القادر على تطويق الآخرين ومحاصرتهم، تماماً كما أرادوا ان يحصل مع جنبلاط، ونأمل في ان يكون المعنيون قد كفّوا عن خوض هذه المغامرات».