إذا كان لقاء الدوحة قد توصل عام 2008 إلى فك عقدة العماد عون الرئاسية، وإن على مضض، وجعل الاتفاق يتم على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية كونه مستقلا ووفاقيا من خارج 8 و14 آذار، فمن يستطيع حل هذه العقدة التي برزت مجددا اليوم؟
لقد أمل البعض في أن حصول تقارب سعودي – ايراني يفك هذه العقدة، وإذا بهذا التقارب يصبح بعيدا بعد عودة التوتر الى العلاقات بين الدولتين بسبب ما يجري في المنطقة من تجاذب ولا سيما في اليمن والعراق وسوريا وينعكس ذلك على الوضع في لبنان. وأمل بعض آخر في نجاح مساع فرنسية لدى ايران أن تتوصل الى فصل ازمة الانتخابات الرئاسية في لبنان عن التطورات الاقليمية، ولكن لا شيء يدل حتى الآن على ان هذه المساعي قابلة للنجاح خصوصا بعد تبادل التصريحات النارية بين وزيري الخارجية السعودي والايراني. فهل يستطيع لقاء روما بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس سعد الحريري أن يتوصل الى فك عقدة عون الرئاسية؟
يقول المتابعون لمجريات الانتخابات الرئاسية ان عقدة العماد عون لا يفكها الامن حاكها وهي ايران باشراف “حزب الله”… وايران غير مستعدة حتى الآن لفك هذه العقدة الا بثمن، وهو ثمن غير معروف بعد، وهل يكون مرتفعا ولا يوجد من يدفعه؟
كل شيء يدل حتى الآن على ان عين ايران في المنطقة هي على العراق واليمن والبحرين وسوريا وربما لبنان ايضا، ولا احد يعرف ما اذا كانت تصر على ان تكون كل هذه الدول في اطار نفوذها ام يصير اتفاق بموجب تسوية على الاكتفاء ببعض هذه الدول.
والسؤال المطروح هو: هل تصر ايران على ان يكون لبنان من حصتها إذا خسرت سوريا أم تتخلى عنه إذا ضمنت بقاء نفوذها في سوريا من خلال اي حل للأزمة فيها؟
الواقع ان لبنان لا يتحمل سياسيا وأمنيا واقتصاديا انتظار نتائج التطورات في المنطقة ولا نتائج التوصل إلى اتفاق على تقاسم النفوذ فيها. لذلك فإن الاقطاب في 8 و14 آذار مطالبون بالاتفاق على مرشح تسوية أو وفاق لرئاسة الجمهورية فيكونون بذلك جعلوا الرئيس من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج. فهل يتفقون؟
إن الكلمة هي للثنائي عون – نصرالله لأنه هو عقدة تعطيل النصاب وعقدة الاتفاق على مرشح تسوية للرئاسة. ولا شيء يدل حتى الآن على ان هذا الثنائي مستعد للتوصل إلى هذا الاتفاق بدليل أنه لا يزال يلعب في الوقت الضائع ويتلاعب بمصير البلاد والعباد… فعندما رشحت قوى 14 آذار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، لم ترشح قوى 8 آذار العماد عون منافسا له بل اشترطت القبول به مرشحا وفاقيا وهي تعلم في قرارة نفسها انه لا يحمل هذه الصفة إنما تريد إضاعة الوقت وإمرار المهلة الدستورية المحددة لانتخاب الرئيس. وعندما طرحت قوى 14 آذار مبادرة تدعو فيها قوى 8 آذار الى البحث عن مرشح توافقي، تجاهلت هذه الدعوة وظلت مصرة على القول إن مرشحها “التوافقي” هو العماد عون. ولمزيد من الاستفزاز طلبت سحب ترشيح جعجع شرطا للبحث في مرشح توافقي من دون ان تسحب في المقابل ترشيح عون بدعوى انه لم يترشح كما فعل جعجع. وهذا يدل على ان “حزب الله” لا يزال يمارس لعبة إضاعة الوقت الى ان تصبح ايران في وضع القادر على ان تقول كلمتها في الانتخابات الرئاسية.
وللخروج من لعبة إضاعة الوقت ترى اوساط سياسية ان لا حاجة لانتظار ان يعلن جعجع سحب ترشيحه ولا اشتراط ان يقابل ذلك اعلان عون تخليه عن الترشح للرئاسة والدخول في جدل وسجال لا جدوى منه سوى اضاعة مزيد من الوقت وجعل الشغور الرئاسي يستمر الى اجل غير معروف ولبنان يسير في الطريق الى المجهول.
لذلك فإن الجدية في انتخاب رئيس للجمهورية تبدأ بعقد لقاء بين 8 و14 آذار للبحث في الأسماء التي تنطبق عليها صفة المستقل والتوافقي، فاذا لم يتم التوصل الى اتفاق على اسم من هذه الاسماء، فعلى 8 آذار ان تطرح اسم مرشحها او لائحة اسماء مقبولة منها، وعلى قوى 14 آذار ان تفعل الشيء نفسه، ويكون الاحتكام الى مجلس النواب حيث تقترع الاكثرية المطلوبة لمرشح من المرشحين المقترحين ليفوز المرشح بالاقتراع السري ووفقا لما ينص عليه الدستور. فإذا رفضت قوى 8 آذار وتحديدا الثنائي عون – نصرالله اعتماد هذه الآلية العملية لانتخاب الرئيس فإنها تتحمل عندئذ وحدها مسؤولية استمرار الشغور في سدة الرئاسة، وهو شغور قد يفتح الباب على فراغ شامل يدخل البلاد في فوضى عارمة قد يكون من الصعب الخروج منها، وعندها لا تزال الرئاسة الأولى وحدها بل تزول الجمهورية ايضا. فهل هذا ما يريده الثنائي عون – نصرالله وخدمة لمن؟ أم انه لا يزال في لبنان كبار يقدمون مصلحته على كل مصلحة، ولأن الاوطان لا تبقى بدون وجود كبار فيها.