أيام وتمر 11 سنة كأنها البارحة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري تغيّر فيها لبنان كثيراً. ايام ويصير عمر 14 آذار 11 سنة وسيختلف المُنظّرون على تحديد سنة وفاتها، لكن التاريخ سيسجل أن عقدها انفرط في السنة الحادية عشرة وعاد كلٌ إلى قبيلته وعشيرته وطائفته وحساباتها الذاتية، وخلت الساحة عملياً لقوى 8 آذار، يحدد قائدها الأمين العام السيد حسن نصرالله للحكومة عبر إطلالة تلفزيونية ما يجب أن تفعل، وللأحزاب والتيارات السياسية ما هي الخيارات المتاحة أمامها.
لا يريد “حزب الله” أن يظهر كمن يكسر ظهر الشركاء السُنّة في لبنان ممثلين بـ”تيار المستقبل” فارضاً انتخاب رئيس يقاطعونه ويعادونه هو الجنرال ميشال عون. يبدو الأمر أشبه بأن يُعطى مسلمو لبنان وأشلاء “الحركة الوطنية” وقتهم للتفاوض مع الرئيس بشير الجميّل بعدما قُضي الأمر. بشير كان مستعجلأً وهو أيضاً كان يعرف أن لبنان محكوم بالتوازنات الدولية والإقليمية والداخلية الطائفية، لذلك زار السعودية ونال موافقة قيادتها على رئاسته بعد اجتماع ذات ليل طويل. السيد نصرالله ليس مستعجلاً ولا يرغب في أن يبدو فظاً. انكسر ميزان القوى من الداخل عندما أيّد “تيار المستقبل” رئيس “المردة” النائب سليمان فرنجيه، وسيتيح ترشيح “القوات اللبنانية” الجنرال عون في احتفالية معراب للسيد نصرالله أن يفرض قواعد اللعبة على المهزومين. وعاجلاً أو آجلاً، بعد أسبوع بعد شهر بعد أشهر، سيستمع الرئيس سعد الحريري إلى عروض تفاهم يحملها ممثلو الجنرال عون. سيساعده في الإصغاء الذي قد يكون قد بدأ بالأمس أن الجنرال ليس عقائدياً ولا متشبثاً بموقف، خلافاً للإنطباع السائد عنه، خلا تطلعه إلى الرئاسة واعتبارها حقاً شرعياً انتُزع منه بقوة السلاح، بدليل انفتاحه على تفاهم ( أو تحالف) مع “حزب الله” وتفاهم آخر موازٍ له مع “القوات” . ليس ما يمنع أن يعقد اتفاقاً مشابهاً مع “المستقبل”.
لكن الحدث الأبرز هو انتقال خط التماس السياسي من الفصل بين قوى 8 و14 آذار، إلى الفصل بين المطالبين بحق كل طائفة في أن تعيّن هي ممثلها في السلطة وبين المعترضين على صيغة الحكم هذه. وبعد طلب القوتين المسيحيتين الكبريين وفوقهما السيد حسن نصرالله صوتاً وصورةً، أن يكون للمسيحيين بغالبيتهم الحق في تسمية من يكون رئيس الجمهورية المسيحي الماروني لن يكون الأمين العام لـ”حزب الله” قادراً على حجب هذا الحق عن السُنّة في تعيين من يريدونه رئيساً للحكومة. أوّل بند في العرض الذي قدمه أو سيقدمه “التيار العوني” من خلال اللقاءات التمهيدية بين الوزير جبران باسيل والسيد نادر الحريري هو أن يعود الرئيس الحريري رئيساً لحكومة عهد عون الأولى إذا شاء، أو الرئيس فؤاد السنيورة.
هل هذا السيناريو نهائي؟ ليس بإجماع السياسيين. سمير فرنجيه مثلاً يردد هذه الأيام أن الصراع الإقليمي المحتدم لا سيما بين السعودية وإيران لا يسمح بانتخاب رئيس، لا عون ولا غيره. ومن يتمنى رؤية الجنرال رئيساً فهو حاضر ليدله إلى أقرب كنيسة على اسم “شفيعة الأمور المستحيلة” سانت ريتا.