لم ينس احد كيف وقعت الواقعة بين العماد ميشال عون، رئيس الحكومة العسكرية اواخر الثمانينات، وبين القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع، لاسيما ان الذاكرة تخون البعض بمن فيهم الجنرال الذي اشعل تلك الحرب على خلفية ان لا سلاح سوى سلاح الشرعية حيث كان يتصور انه يمثلها فيما الحقيقة كانت تقول انه «صلبت» على الرئاسة بعدما استقال جميع وزرائه المسلمين بطلب من قياداتهم السياسية؟!
ولم ينس احد كيف اشتعلت الحرب انذاك لان عون اراد وضع اليد على مراكز القوات، وهو قد احتلها من خلال القوى التي كانت تأتمر بأوامره باستثناء الحوض الخامس والنقاط الواقعة في منطقة سيطرة القوات مثل الاشرفية وما بعد نهر الكلب حيث ظلت السيطرة عليها بيد القوات؟
وفي المرحلة اللاحقة لم يغير العماد المتقاعد وجهة نظره بالنسبة الى السلاح غير الشرعي حيث ظل ينادي من باريس التي هاجر اليها، بان لا سلاح غير سلاح الشرعية، لكن كل ذلك انتهى من لحظة عودة عون من هجرته، لاسيما في المرحلة الاخيرة التي استتب فيها الامن ليصل الى معادلة سياسية – عسكرية ابرمها مع حزب الله ليصل بنتيجتها الى تجنب الحديث عن السلاح غير الشرعي، بما في ذلك تجاهل ما فعلته سوريا في لبنان من ارتكابات؟!
المؤكد ان الذاكرة قد خانت العماد المتقاعد الى حد تجاهله التام السلاح غير الشرعي، بما في ذلك عبارة «الامر لي» التي ذهب ضحيتها اكثر من مئتي عسكري وشاب من القوات اللبنانية من دون ان يقدر على ان يكون «الامر له» وهو في هذه الايام الصعبة التي تمر فيها الدولة صب عون اهتمامه على الشؤون السياسية، واخذ في اعتباره «التفاهم مع حزب الله على الورق» فيما لا يزال متناسيا ان حزب الله يملك ترسانة من الاسلاحة غير الشرعية، التي هي في مطلق الاحوال في منأى عن قيادة الجيش، مع العلم انه ينادي بصهره قائدا للجيش، من غير ان يحسب حسابا للامر له في حال وصل الى اليرزة!
المهم في هذا الكلام انه يجسد ابشع مرحلة من مراحل الحرب اللبنانية التي خاضها العماد عون ضد المسيحيين من دون ان يقدر على تطويعهم الى حد بقاء الجرح مفتوحا من غير حاجة الى ورقة تفاهم مع حزب القوات اللبنانية التي لم تنس تلك المرحلة وما حصل بينها وبين جيش عون من سفك دماء!
المهم في هذه المرحلة ان يبقي عون في ذاكرته مرحلة الحرب بين الاخوة التي «شلعت» اوصال المسيحيين وتركتهم عرضة للسلاح غير الشرعي ومعهم الدولة، لان الاحتلال السوري انذاك اصر على تسليم الجميع سلاحهم، فيما لم تصل الخطوة الى تسليم حزب الله سلاحه، وهذا ما حصل لاحقا حيث لم يقل ولا قال الجنرال رأيه في السلاح غير الشرعي، ربما لانه وجد في الحزب حليفا سياسيا وشعبيا قادرا على ان يخدم مصالحه السياسية العامة والانتخابية الخاصة (…).
ومن يومها (يوم ورقة التفاهم التي وقعها مع حزب الله)، لم يعد عون يأتي على ذكر السلاح غير الشرعي المنتشر في مختلف مناطق سيطرة الحزب وغيرها، قناعة منه ربما بأن الكلام على سلاح الحزب في مختلف سيطرته وقد يفيد خصومه، من دون ان يفهم من يفترض بهم ومن يفهموا كيف عرف عون رأيه بالسلاح الانف الذكر، لاسيما انه في لقاءاته وتصريحاته يرفض الكلام عن سلاح حزب الله بقدر ما يرى فيه سلاحا شرعيا طالما هناك احتلال اسرائيلي لمناطق في جنوب لبنان (…)
ومن يومها ايضا كانت للعماد عون وقفة سياسية عاد وسحبها يوم سأل عن موقف الحزب وسلاحه من اهالي الجنوب المسيحيين وقد وجد من يصده عن متابعة كلامه على الموضوع في مجلس النواب حيث وجد نفسه مضطرا الى ان «يلحس» تصريحه ويتناسى الموضوع جملة وتفصيلا» يوم جاء من ينصحه بأن حزب الله مهمش وبحاجة ماسة الى من يسنده مسيحيا، وقد ادت مساعي صهره (الوزير جبران باسيل) الى ان يطلب ود الحزب ليصل الى اكبر كتلة نيابية مسيحية في مناطق سيطرة حزب الله والى «خوشبوشية» منقطعة النظير اوصلته الى شل الحياة السياسية في لبنان بدعم من الحزب الذي لم يعد يجد رئيسا للجمهورية الا في حال كان الجنرال!
وطالما بقي الحزب مساندا لعون في معركته الرئاسية، فانه لن يصل الى بعبدا التي غادرها بانقلاب عسكري لبناني – سوري وهذا الواقع لا يقبل نقاشا مهما غير عون من نظرته الى السلاح غير الشرعي ومهما بالغ في استقطاب المؤيدين والمسايرين له بلا طائل؟!