IMLebanon

رسالة رئيس الجمهورية «لا بِتْقَدِم ولا بِتْأَخِّر»  

 

الرسالة التي أرسلها فخامة رئيس الجمهورية، الى رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري يطلب فيها أن يعرضها الرئيس بري على المجلس بناء لطلب رئيس الجمهورية غير مجدية.

فالرسالة هذه ليست الأولى التي يوجهها رئيس الجمهورية الى المجلس، إذ سبقتها رسالتان، وكانت النتيجة معروفة، فكل منها لا «بِتقدّم ولا بتأخر» وباختصار يمكن القول إنها تجاوز للدستور وإنها من ألاعيب مستشاره القانوني المحامي سليم جريصاتي، ويمكن إطلاق تسمية «هرطقة» عليها ومحاولات يائسة الهدف منها الإنقلاب على «الطائف» بالممارسة، وذلك لأنه فشل في كل محاولاته لإسقاط الاتفاق المذكور. فلجأ للانقلاب عليه. وفي الحقيقة فإنّ الذين نصحوه بهذه «الهرطقة» لا يحبّونه، لأنّ من واجب المستشار ألاّ يورّط الرئيس من خلال تجاوز القوانين، ولا يساعده في خلق أعراف غير موجودة في الدستور.

تاريخ رئيس الجمهورية بالانقلاب على الدستور طويل، ويبدو أنه لم يتعلّم من أخطائه. وعلى سبيل المثال نسأل: ماذا عن التعيينات القضائية؟ ولماذا لا يوقّع عليها؟ وبأي حق يرفض التوقيع؟ وأين القسم الذي أقسمه لاحترام الدستور؟ يبدو أنه نسي القسم أو تناساه، لأنّ قانون التعيينات لم يكن على «ذوقه» هذا أولاً.

ثانياً: الذي يجب أن يحاسب على عدم تأليف الحكومة، هو فخامته الذي «يتبجّح» بأنها غير دستورية وغير ميثاقية. بمعنى أدق أنّ كل مسيحي في هذه الوزارة يجب أن يعيّنه هو، أما الذي لا يعيّنه هو، فهو غير ميثاقي ولا دستوري.

فخامة الرئيس: ان رئيس الجمهورية هو رئيس كل اللبنانيين، أي أنه رئيس المسيحيين والمسلمين وكل الطوائف. ولكل مسيحي الحق في أن يكون وزيراً حتى ولو كان لا يحظى باختيارك أو اختيار صهرك العزيز.

وعندما يختار رئيس الحكومة الوزراء فهذا حق من حقوقه، لأنه هو رئيس فريق العمل، وهو المسؤول الأول والأخير عن عمل وزرائه، وهو الذي سيتعامل معهم. أما أن يكون «باش كاتب» فهذا لن يكون. إذْ لم تعد صلاحيات رئيس الجمهورية بعد «الطائف» كما كانت في السابق. إذْ كان رئيس الجمهورية هو الذي يعيّـن الوزراء ويختار واحداً منهم رئيساً. أما بعد «الطائف» فإنّ الذي يختار رئيس الحكومة هو المجلس النيابي بعد استشارات نيابية ملزمة، ولا يحق لأي نائب أن يترك اسم رئيس الحكومة وديعة بيد رئيس الجمهورية. هذه مخالفة دستورية وعلى رئيس الجمهورية أن يعرض النتائج على رئيس المجلس الذي من واجبه الإشراف على اللائحة المقدّمة من رئيس الجمهورية عن نتائج الاستشارات.

كذلك، فإنّ صهرك العزيز لم يسمِّ رئيس الحكومة ورفض ذلك رفضاً قاطعاً، وهو لا يريد أن يمنح الثقة للحكومة المشكّلة، فبأي حق يطلب تعيين وزراء ويختار وزارات له ولتياره؟ فعلاً إنّه طلب عجيب غريب.

كما جاء في رسالتك أنّ الرئيس سعد الحريري هو الذي يعرقل تشكيل الحكومة… والحقيقة أنّ الحكومة المتفق عليها بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبين جميع الأحزاب والزعماء اللبنانيين في الاجتماع الذي حصل في السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر هي الحكومة التي قدمها الرئيس الحريري، وقد تحفّظ البعض على الانتخابات النيابية المبكرة.

من ناحية ثانية، الرئيس الحريري، وقبل وقوع الكارثة المالية وانهيار البنوك، كان قد عقد اجتماعاً في باريس في حضور 40 دولة من أصدقاء لبنان وتم تخصيص 12 مليار دولار حسب مشروع «سيدر» لإنقاذ لبنان، لكن صهرك العزيز وشروطه التعجيزية ومصالحه الخاصة، حالت دون الاستفادة من أكبر عملية إنقاذ في تاريخ لبنان.

ليتك يا فخامة الرئيس لم «تعذّب نفسك» وتضيّع الوقت الذي يحتاجه الوطن المعذّب، الذي تعرّض لأقسى الظروف بفضل فشل الوزراء الذين عيّنتهم «فخامتك» إرضاءً لصهرك العزيز… والمصيبة الكبرى أنه بعد فشل أربع سنوات كاملة من عهدك، فإنك لا تزال تريد أن تمارس مزيداً من الفشل ومزيداً من تدمير الاقتصاد ومزيداً من انهيار العملة.

يا فخامة الرئيس عندما تسلم حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة هذا القطاع، كانت الودائع في جميع المصارف 4 مليارات دولار أميركي، ووصلت الى 200 مليار بفضل حكمته وحسن إدارته لهذا القطاع، بالرغم من الحروب الاسرائيلية ومن تعطيل «حليفك الإلهي» لمجلس النواب سنة وبضعة أشهر في المرة الأولى لاختيار الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، واحتلال بيروت من قِبَل حليفك، ولمدة عامين ونصف العام في المرة الثانية لأنّ الحزب الإلهي رفض أن تجرى الانتخابات بالطريقة الدستورية، فجاء بك بقوّة السلاح، وفعلاً شاركت بقوة في تدمير البلد وتهجير أهله، إذ انّ هجرة المسيحيين تفوق المليون مواطن. ثم جاء انفجار المرفأ ليقضي على البقية الباقية ويهجّر 300 ألف من المسيحيين ويدمّر نصف بيروت التي لولا الشهيد الكبير لما أعيد إعمارها.

لقد عاش اللبنانيون بترف من خلال سعر ثابت لصرف الدولار، وكان اللبناني يجول في كل بلاد العالم. أما اليوم فهو لا يستطيع أن «يأكل ولا يشرب»، وصار 60% من الشعب اللبناني تحت خط الفقر… ولولا اللبنانيين المغتربين في جميع بلاد العالم الذين يرسلون الأموال لذويهم شهرياً لكان الوضع أسوأ بكثير… ومن دون مبالغة كان الفقراء ينتشرون في بيوت الأغنياء أو الطبقة الوسطى التي بفضلك أصبحت فقيرة.

أخيراً، كفى هرطقة ولعباً على «العنتريات» و»الكلام الفاضي» إنقاذاً لنفسك قبل فوات الأوان.