Site icon IMLebanon

بدعة «الموافقات الاستثنائيّة»: عون وميقاتي يختزلان الحكومة

 

 

سجّلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في الأسبوعين الماضيين، سابقة خطيرة تتعلق بإصدار ثلاث موافقات (شبيهة بالموافقات الاستثنائية التي اعتمدها رئيس الحكومة السابق حسان دياب خلال فترة تصريف الأعمال) لثلاثة ملفات: المراقبون الجويون، هيئة أوجيرو ومنصة impact في التفتيش المركزي. الموافقات الاستثنائية وقّعها رئيسا الجمهورية والحكومة، رغم أن الحكومة غير مستقيلة ولم تدخل في فترة تصريف الأعمال. رئيس الحكومة لم يرَ ضرورة لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد وتخطّي المشكلات السياسية المتعلقة بالقاضي طارق بيطار لتسيير أعمال مرافق مُلحّة تُعنى بالموظفين والمواطنين، بل عمد إلى تطويع القانون والدستور واختصار صلاحيات نصّ عليها الدستور بسلطة استنسابية غير دستورية، مستخدماً بدعة «الموافقة الاستثنائية». فأصدر مراسيم، من دون العودة إلى مجلس الوزراء، أحدها لنقل اعتماد من احتياطي الموازنة إلى موازنة وزارة الأشغال العامة والنقل – المديرية العامة للطيران المدني لتغطية اعتمادات الأعمال الإضافية الليلية للموظفين المناوبين، وثانٍ يسمح بنقل خادم منصة «ايمباكت» (سيجري تسجيل طلبات البطاقة التمويلية عليها) إلى مقر التفتيش المركزي لزيادة سعته ثم تحويله إلى «أوجيرو»، وثالث بتحويل اعتمادات إلى هيئة «أوجيرو» حتى لا تتوقف خدماتها. وبرّر رئيس الحكومة هذه المخالفات بـ«عدم تحديد جلسة لمجلس الوزراء (…) على أن يعرض الموضوع لاحقاً على أول جلسة لمجلس الوزراء على سبيل التسوية».

 

وليست المرة الأولى التي يلجأ فيها ميقاتي إلى الموافقة الاستثنائية، إذ قام بالأمر نفسه عام 2013 وفق «اجتهاد» ابتكره له الأمين العام السابق لمجلس الوزراء سهيل بوجي، مع فارق أن الحكومة يومها كانت في فترة تصريف الأعمال. وقد أصدر آنذاك تعميماً طلب فيه من الوزراء «في حال اعتبار أن ثمة قراراً إدارياً يدخل في نطاق الأعمال التصريفية التي تقتضي الضرورة اتخاذه في خلال فترة تصريف الأعمال، إيداع مشروع القرار رئاسة مجلس الوزراء للحصول على الموافقة الاستثنائية لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء». بذلك، اختزل ميقاتي صلاحيات السلطة الإجرائية بشخصين، هو ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان؛ المشهد نفسه يتكرر اليوم في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون. علماً أن مخالفة ميقاتي للدستور آنذاك، أثارت حفيظة تكتل التغيير والإصلاح، وكان لعون نفسه موقف حادّ من الموضوع وكلّف يومها النائب إبراهيم كنعان بإعداد ملف سُلِّم إلى ميقاتي الذي وعد «بتصحيح المسار وإعادته إلى المنطق السليم بحيث تُلغى الموافقات الاستثنائية».

 

ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة وصفا هذه البدعة بـ«الآلية المخالفة للدستور»

 

 

وأدّت تجربة رئيس الحكومة السابق حسان دياب، الذي رفض بعد استقالة حكومته إصدار أي قرار من دون موافقة استثنائية صادرة عنه وعن الرئيس عون، إلى إصدار أكثر من 150 قراراً ومرسوماً استثنائياً، ليصبح أمراً عادياً يتم اللجوء إليه في أي أزمة سياسية تحول دون عقد جلسة لمجلس الوزراء. علماً أن مصادر مقرّبة من ميقاتي، عزت الأمر إلى «استحالة عقد جلسات حكومية لتمسّك حزب الله وحركة أمل بمقاطعتها، واضطرار رئيس الحكومة تالياً إلى اللجوء إلى هذا الخيار مكرهاً خدمة للمصالح العامة»، مع الإشارة إلى أنه «لا يمكن تصنيف هذه القرارات ضمن المخالفات الدستورية لكونها حصلت في ظروف استثنائية ولتسهيل أمور الدولة».

أستاذ القانون الدستوري في معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، وسام اللحام، أشار إلى أنه سبق لديوان المحاسبة أن أصدر قراراً اعتبر الموافقات الاستثنائية «آلية مخالفة للدستور»، وكذا فعلت المستشارة المقرّرة في مجلس شورى الدولة في ما خصّ الموافقات الاستثنائية التي صدرت في عهد دياب، لأن هذا الاستثناء «يسمح لرئيسَي الجمهورية والحكومة بالحلول محل مجلس الوزراء، أي تحتوي على مخالفة ويجب إبطالها. علماً أن ثمة اجتهاداً لمجلس الشورى يتيح للحكومة الاجتماع حتى في فترة تصريف الأعمال في حال وجود ظرف استثنائي». وأكد اللحام أن «الموافقة الاستثنائية غير قانونية حتى لو كانت الحكومة مستقيلة، فكم بالحري إذا حصلت في ظل حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية؟»، إذ إن هذا الأمر «يفتح باب الاستنسابية المطلقة، مع التنويه أنه لا يمكن تعليق جلسات مجلس الوزراء لأن الدستور يقول بوجوب عقدها دورياً». أما ما يجري اليوم، فهو «اتفاق بين كل الكتل الممثّلة في الحكومة في الخارج، ثم إصدار مراسيم استثنائية على سبيل التسوية»!