وصل الإحتقان السياسي إلى درجة غير مسبوقة من حيث القطيعة الواضحة بين الأطراف والمكونات السياسية للسلطة، سواء في حكومة تصريف الأعمال أو في المجلس النيابي ما بين الأكثرية والأقلية، ولكن الثابت في هذا المشهد، هو الإنزلاق السريع إلى الدولة العاجزة والفاشلة عن إدارة أبسط المؤسسات، وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، وهو ما دفع بأحد الوزراء السابقين، إلى اعتبار الوضع السياسي الداخلي مقفلاً على الحلول والمعالجات، ومعلّقاً على استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية والذي تفصل عنه أسابيع عدة، بعدما لم تعد تنفع أية مقاربات من أي جهة أتت، من أجل تقريب وجهات النظر وتدوير الزوايا بين الرئاستين الأولى والثانية، تمهيداً للتخفيف من مستوى الإحتقان الذي عزز الجمود في مسار تأليف الحكومة العتيدة، رغم أن السجالات والحملات قد غابت خلال الأسبوعين الأخيرين.
وترى المصادر الوزارية السابقة، أن الإضراب في القطاع العام قد وضع الأزمة الإجتماعية في الواجهة، وفضح العجز عن إيجاد الحلول المناسبة لرواتب الموظفين في هذا القطاع، خصوصاً وأن المناخ السائد داخل حكومة تصريف الأعمال كما في أوساط الكتل النيابية كافةً، يؤكد على وجوب تحاشي تكرار سيناريو سلسلة الرواتب والأجور في العام 2017، والتي ما زالت إلى اليوم، محطّ سجالات وخلافات سياسية ، نظراً للأعباء التي فرضتها على المالية العامة للدولة.
ومن هنا كشفت المصادر نفسها عن أن انقطاع التواصل بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، من أجل التقدم في مفاوضات تأليف الحكومة، يجعل من كل الملفات الداخلية مجمدةً، وفي مقدمها ملف إضراب موظفي القطاع العام وإنصافهم من خلال تعديل وزيادة رواتبهم، تزامناً مع البحث عن موارد إضافية لخزينة الدولة من أجل أن تتحمل أعباء أي زيادة ضرورية وملحة، وبالتالي، فإن اللافت في هذا المجال، يبقى في عدم تسجيل أي مبادرات سياسية من قبل أية مرجعيات سياسية أو حزبية، منذ بدء القطيعة بين الرئاستين الأولى والثانية إلى اليوم، بمعزل عن كلّ تداعيات الأزمة الحكومية وتأخير ولادة الحكومة الجديدة القادرة على المعالجة للملفات الداخلية ولو بالحدّ الأدنى، وخلال المهلة الزمنية القصيرة التي ستكون مُتاحةً أمامها قبل الوصول إلى مرحلة الإنتخابات الرئاسية.
والتأخير في التأليف، سيدفع حكماً إلى تجميد كل الملفات الداخلية، باستثناء عملية إقرار التشريعات التي تمّ إدراجها على جدول أعمال جلسة مجلس النواب العامة يوم الثلاثاء المقبل، حيث ترى المصادر الوزارية، أن الدينامية التي طبعت عمل المجلس النيابي في الأسابيع الماضية، ستكون مرشحة أيضاً إلى التراجع مع مطلع أيلول المقبل، عندما سيتحول المجلس النيابي إلى هيئة متفرغة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولذا فإن الوقت محدود أمام المجلس كما هو معدوم أمام الحكومة، التي لا يبدو أنها ستبصر النور قبل الإنتخابات الرئاسية، وبالتالي ما يبقى ثابتاً هو المزيد من الإضرابات والشلل في المؤسسات الدستورية كما في مؤسسات القطاع العام، وتحلل وتفكك واهتراء في بنية الدولة، وبالتالي تكريس مسار الإنهيار.