لم يعط رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد المتقاعد ميشال عون جديدا في خطبته، اول امس، بقدر ما كرر مواقف من المستحيل الاخذ بها، كونها بعيدة من الواقع اللبناني ولا تعني حدا سواه، طالما انه ينادي بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، مع علمه الاكيد ان المفارقة العددية بالنسبة الى الناخبين من المستحيل ان تكون بمستوى الاجراءات السلبية التي يتطلع اليها الوضع القانوني والميثاقي في مثل هكذا استحقاق؟!
ولان الجنرال في غير وارد القبول بما يفهم منه انه حق من الواجب العمل بموجبه، فان كل ما صدر عنه يشبه اعتراف قوى 14 اذار بفشلها في استيعاب مرحلة ما بعد ثورة الاستقلال الثانية، اضف الى ذلك ان كل ما قيل وتردد على السنة اقطاب 14 اذار ظل دون المستوى السياسي والوطني، كون هؤلاء قد تناسوا المنطلق السياسي المنطقي لثورة الرابع عشر من شباط العام 2005 وهذا بدوره من ضمن مآخذ الجميع على الجميع قبل ان يوجه النقد البناء الى قوى 8 اذار (…)
كما يفهم من كلام العماد عون ان لا رئيس للجمهورية في المستقبل المنظور، لانه يتطلع الى هذا الاستحقاق بعد اجراء الانتخابات النيابية التي يراها حقا، من غير ان يفهم منها عدم جواز اجرائها في المجال الزمني الذي يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية، ولولا هذه المفارقة لما كانت حاجة الى انتخاب رئيس مهما اختلفت الاعتبارات السياسية والقانونية – الدستورية التي يستحيل ان تجسد واقع البلد بحسب مكوناته، لان الدساتير هي التي تبني وليست المزاجية السياسية التي تعني البعض في نظرته غير الواقعية لامور البلد.
صحيح ان العماد عون يعرف ما يريد لكنه في المقابل لا يعرف ما يريده سواه كي لا نقول انه يعرف ما لا يريد من غيره ان يعرفه، طالما بقيت حاجة الى السياسة وليس مجرد الاتكال على من يتطلع الى مصلحته الخاصة وهي معادلات يستحيل ان تستقيم قبل ان تتحدد الاصول التي تجسد معنى المواطن والوطن، اضف الى ذلك ان مناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة الارز مرت وكأن هناك من يرغب في تذكرها مقابل اشخاص لا تعني المناسبة شيئا بالنسبة اليهم وهذا الواقع المتطرف في النظرة الى الامور العامة لا بد من ان تكون نظرة شاملة وليست خاصة؟!
كذلك فان عدم رغبة العماد عون في اجراء الانتخابات الرئاسية يشير الى انه اصبح بعيدا جدا من المنافسة، وهذه الورقة لا بد وان توظف لمصلحة خصمه السياسي رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية المرشح لان يقطف ثمار تراجع اسهم الجنرال على رغم ممارسات حزب الله الداعي الى شل قدرة مجلس النواب على ان ينتخب رئيسا للجمهورية والاعتبارات في هذا المجال اكثر من ان تحصى كون الامور الانتخابية باتت تحسب في مجال من بوسعه تأمين النصاب في الجلسات المخصصة للانتخابات الرئاسية.
هذه النقطة يعرفها العماد عون ويتصرف على اساسها مع العلم انها لا تمارس لما فيه مصلحة سياسية عامة، لكن هذا مرشح لان يتغير في وقت قريب مهما اختلفت ظروف مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس، بدليل الصراخ الذي يمارسه البعض للانتقال بالاستحقاق الى ما يرسم سياسيات غير واضحة المعالم، لا يمكن ان تفيد احدا في سعيه الى عدم انتخاب رئيس وهذا ما يعرفه عون ومعه حزب الله مهما طال زمن اللعب على الالفاظ بما فيه ذلك اللعب على المصلحة العامة؟!
ان نواب تكتل التغيير والاصلاح يتحركون على موجة مجلس النواب لانجاز قانون الانتخابات النيابية، لكن «فرملة» هذا السعب ليست من جانب قوى 14 اذار للقول ان هؤلاء لا يريدون الانتخابات ولا يتطلعون الى تغيير لا بد وان يكون لمصلحتهم فيما تشير دلائل سياسية وشعبية الى ان التغيير قد يصب لمصلحة قوى 14 اذار، هذا في حال سلمنا جدلا بأن حزب الله لن يكون قادرا على تعزيز مواقعه النيابية، باستثناء القول انها يمكن ان تكون على حساب شيعة حركة امل، وهذا الامر غير مستبعد بحسب ما يشاع عن ان الرئيس نبيه بري يعرف الحقيقة ويتصرف على اساس ذلك (…)
وفي عودة الى كلام – خطبة العماد عون، فان لا جديد يذكر في كل ما ورد على لسانه، حيث لا جديد لديه الى الحد الذي يسمح بالقول انه يكرر نفسه وهو غير قادر على تغيير مساره كي لا يقال عنه انه في وارد الخوض في لعبة سياسية مختلفة، ما يعني بالضرورة ان لا مجال لتوقع مفاجآت على صعيد الانتخابات الرئاسية، ليس لان عون لا يرغب بالوصول الى قصر بعبدا بل لان غيره قادر على كسر المزاجية التي تتحكم بوجهة نظره؟!