ما قصده العماد ميشال عون من ارسال قيادات واعضاء من «تياره الوطني الحر» الى محيط رئاسة الحكومة في وسط بيروت، وهو ارسال رسالة الى الرئيس سعد الحريري ومن ورائه، ان الحكومة التي يترأسها، تمام سلام، ولدت بتسوية داخلية ورعاية اقليمية – دولية، قد انتهت صلاحياتها، لأن هذه التسوية كان يجب ان تطبق نتيجة الحوار الذي بدأ بين عون والحريري، انفتح خلاله على السعودية، وغازل سفيرها في لبنان وقيادتها في المملكة، وسافر اليها لتقديم واجب العزاء برحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز.
فصبر العماد عون على الرئيس الحريري ومن يوجهه خارجيا قد نفد تقول مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر»، اذ لم تقابل ايجابيات العماد عون تجاه «تيار المستقبل» بتسهيل تشكيل الحكومة وفي توزيع الحقائب كما في تعيينات تخصه، اضافة الى تمرير آلية تحفظ استمرار الحكومة وتسيير شؤون الدولة، اذ كانت «المرونة العونية»، تلقى تصلبا مع خداع من قبل «التيار الازرق» الذي بعد ان وافق الحريري على ان يكون عون رئيسا للجمهورية ويعود هو الى رئاسة الحكومة، ويسعيان معا بما لهما من علاقات على بناء دولة، لكن ما حصل ان قرارا صدر من المملكة، بعدم الاستمرار في الحوار على قاعدة ان عون رئيسا للجمهورية، وتم ترشيح الدكتور سمير جعجع كمنافس له، وهو ما اعتبره عون انه لا يعنيه، لان تفاهمه مع الحريري لم يكن هذا هو، حيث جرت مراجعته به، تقول المصادر، فرمى الكرة في ملعب المسيحيين ان يتفقوا هم على مرشح، فطرح رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» ان تكون المنافسة بينه وبين جعجع فرفض اقتراحه، فيتبين انهم لا يريدون رئيسا للجمهورية له حيثية سياسية وشعبية.
ولم يكن انقلاب «تيار المستقبل» على هذا التفاهم فقط، بل ايضا على التعيينات الامنية والعسكرية، وجرى التوافق بين عون والحريري اثناء العشاء الذي اقامه له الاخير في منزله في شباط الماضي ولمناسبة عيد ميلاد «الجنرال» بان يتم تعيين مدير عام لقوى الامن الداخلي وسمي العميد عثمان عثمان رئيس شعبة المعلومات، على ان تتبعه تعيينات اخرى عندما يحين وقت تقاعد قادتها الممدد لهم من مدير المخابرات العميد ادمون فاضل الى رئيس الاركان اللواء وليد سلمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وقد انقلب الحريري على اتفاقه على حد قول المصادر، بعد ان كان العماد عون اطمأن ونال موافقة الحريري واطراف سياسية اخرى في الحكومة على تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش، وهو لقي ترحيب وموافقة الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط…
وعندما حان موعد تقاعد المدير الحالي لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص في 5 حزيران الماضي، وحصل التمديد له، ظهر ان التمديد سيطال المراكز العسكرية، وهنا بدأ العماد عون الاستعداد ليس للاستقالة من الحكومة، لكن منعها من الانتاج، وارباك اجتماعاتها، وازعاج رئيسها، وهو ما بدأه تقول المصادر التي تؤكد ان الرئيس تمام سلام ليس مقصوداً، وهو مغلوب على امره، واعلن بنفسه عن اتفاق القوى السياسية على المواضيع الخلافية، واعترف انه لا يحل ولا يربط بقضايا كبرى كانتخاب رئيس للجمهورية او تعيين قائد للجيش، كما ان الرئيس الحريري لا يمكنه ايضا البت بمثل هذه المواضيع، وان الرسالة كانت موجهة الى «تيار المستقبل» ومن يحركه في لبنان، تضيف المصادر في «التيار الوطني الحر» التي تشير الى انه لا يمكن السماح ان تكون رئاسة الجمهورية مع رئيس الحكومة، بل في مجلس الوزراء مجتمعا، وان كل وزير يحمل صلاحياته رئيس الجمهورية، فإذا لم يوافق «تيار المستقبل» ومعه الرئيس سلام فان جلسات مجلس الوزراء ستكون متوترة ولن نقاطعها او نستقيل من الحكومة، كما يرغب البعض بتكرار تجربة استقالة وزراء حركة «امل» و«حزب الله» من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى التي استمرت بالانعقاد من دونهم بالرغم من سقوط دستوريتها وميثاقيتها، فسنبقى نضغط من داخل الحكومة، ونحرك الشارع من خارجها، اذا لم يتم التوصل الى تسوية شاملة كل القضايا من رئاسة الجمهورية الى قانون انتخاب وتعيينات وآليات دستورية لعمل المؤسسات، فإن رفضنا للاستئثار بالسلطة والتفرد بالقرار لن يمر، وان الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، ولم يعد رهانهم على تغيير الوضع في سوريا واسقاط النظام يفيدهم في صرفه داخليا، لأن الاوضاع لا تتجه لصالح «تيار المستقبل» وحلفائه الداخليين والخارجيين، وميزان القوى ليس معهم، وحاولوا استخدامه في مرحلة ما بعد 2005، واستغلوا العدوان الاسرائيلي في العام 2006، الا ان حصلت 7 أيار 2008، فقلبت الموازين بعد انتصار المقاومة ومحورها، فعلى ماذا يراهنون اليوم؟