تطويق «بقعة زيت» الاختلافات في «14 آذار»
«التيار العوني» و«المردة».. والعودة الصعبة
وحده اللقاء الذي جمع السفير السعودي علي عواض عسيري برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يوم السبت الماضي في معراب، خرق الجمود الرئاسي ليقدم إثباتاً بالصوت والصورة أن السعودية تبارك مبادرة سعد الحريري وتسير بها، حتى لو وقف المسيحيون بوجهها. أما غير ذلك، فلا تزال بورصة المواقف والتطورات عند المعادلة التي كرسها سليمان فرنجية التلفزيونية أمام الملأ: أنا مرشح للرئاسة أكثر من أي وقت مضى، والمبادرة الباريسية وجدت لتبقى.
هكذا سيكون صعباً على المراهنين على إخراج العامل السعودي من العرض الذي تقدم به زعيم تيار «المستقبل»، تغيير هذا الواقع لمصلحة افراغ المبادرة من الدعم الإقليمي، أقله من جهة المملكة، وتقديمها على أنّها تركيبة محلية يجوز نسفها في أي لحظة. عملياً، خرجت الرياض عن صمتها لتعيد توضيح موقفها والتأكيد على أنّ ما يقوم به سعد الحريري ليس من باب ملء الفراغ ولا المناورة ولا حتى اللعب على وتر التحالفات اللبنانية من باب تفجيرها من داخلها، وانما طرح جدي بمقدوره التحوّل الى تفاهم واسع.
لا بل، إنّ مجاهرة ممثل الديبلوماسية السعودية برضى ادارته عن المسعى الرئاسي، يزيد المتحمسين لهذا الخيار قناعة بأنّ هذا «الانقلاب» لا يحتاج الا لمزيد من الوقت كي يفرغ كل حمولته ويصير أمراً واقعاً يتعامل معه الجميع ببراغماتية.
في هذه الأثناء، ليس مستغرباً ما تشهد عليه مسارح مواقع التواصل الاجتماعي من اتهامات وتضارب بالكلام الى حدّ التخوين بين الحلفاء المفترضين، وتحديداً بين «التيار الوطني الحر» و «المردة» من جهة وبين «المستقبل» و «القوات اللبنانية» من جهة أخرى، حيث يتبارى كل منهم في نبش الأخطاء والخطايا التي ارتكبت بحق بعضهم البعض الى لحظة حدوث الانقلاب الباريسي وقلب طاولة الترشيحات رأساً على عقب.
وبينما سارع جناحا قوى «14 آذار» الى تطويق بقعة الزيت من خلال التعاميم الصارمة بوقف السجال بين أبناء الصف الواحد وهما يعلمان جيداً أنّ ما يمكن التحكّم بجزء منه في «الفضاء المكشوف» تصعب محاصرته داخل الغرف المغلقة التي تفيض بما هو أكثر مما يُقال بالعلن، إذ لا تزال المنابر الافتراضية بين حليفيّ قوى «8 آذار» تنضح بما في إناء الخلافات، وما أكثرها.
برأي أحد المتابعين إنّ هذا العراك الكلامي متوقع ويعبّر عن الهوة التي صارت بين الفريقين، وهي طبيعية إذا كان مارونِيَّا هذا الفريق مرشَّحَين ولكل منهما وجهة نظره وحظه وهامشه في الوصول الى «الكرسي المخملية». فالعماد ميشال عون يتصرف على أنّ أولوية الترشيحات لا تزال في جيبه وهو الأدرى بشعابها، لاعتبارات عديدة أبرزها كونه زعيم أكبر كتلة مسيحية والأكثر تمثيلاً للوجدان المسيحي، وبـ «صموده» أمام المغريات والضغوط اندفع الآخرون الى القبول بمرشح من «الفئة الأولى» وعدم الاستكانة بـ «بنج» الرئيس الوسطي.
أضف الى أنّ الرجل مقتنع أنّ الوقت لمصلحته ربطاً بالتطورات الاقليمية التي تتغيّر معطياتها بشكل يسمح لفريقه بأن يسمي رئيس الجمهورية من دون أن يضطر لأن يقبل بالتسويات النصفية. ولهذا، إذا كان الخيار سيقع على مرشح من قوى «8 آذار» فيفترض أن يكون بنظر رئيس «تكتل التغيير والاصلاح»، هو نفسه، وليس غيره، حتى لو كان هذا «الغير» من صنف الحلفاء القادر على التفاهم معهم.
أما بالنسبة لسليمان فرنجية فقد فُرضت عليه هذه المنافسة ولم «يشترِها» أو يختارها. بنظر ناسه، فإنّ ملعقة الرئاسة وصلت الى حلقه بفعل تقاطع لم يشهد عليه الاستحقاق منذ خلو سدّة الرئاسة، وتمّ سحبها بقرار من جانب الحليف وليس الخصم، وهذا ما رفع منسوب التوتر بين قواعد الحليفَين من دون أي تدخل من جانب القيادتَين لمحاصرته.
ولهذا قد يصعب تجنب هذا الضرر حتى لو تدخلت «حلقة الوصل»، أي الضاحية الجنوبية، وحاولت لملمة الآثار، حيث يقول أحد المعنيين إنّ الترقيع في هذه الحالة سيكون مرهقاً خصوصاً إذا أجهضت مبادرة سعد الحريري وأحيلت الى التقاعد بفعل الممانعة المسيحية، إذ من شأن ذلك أن يعقد العلاقة ويصب النار على زيتها المحترق أصلاً.
أما على خطّ «التيار الوطني الحر» – «القوات اللبنانية» فلا تزال جلسات النقاش مفتوحة على كل السيناريوهات، وطالما أنّ المبادرة الباريسية تقف في مكانها، فلا داعي لأي خطوة جديدة من جانب جبهة الرفض.