IMLebanon

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

ما حصل في وسط بيروت، اليومين الماضيين، يُعيد مشهد اليوم الانقلابي في 7 أيار 2008، الذي استهدف إسقاط الحكومة بالقوة، والذهاب إلى مؤتمر الدوحة، الذي استجاب لمطلب «الثلث المعطل» في تشكيلة الحكومات، وأدى في ما بعد إلى إسقاط حكومة الحريري، خروجاً على كل التعهدات التي تضمنتها بنود اتفاق الدوحة!

ما يحصل في ساحة رياض الصلح، من استغلال سياسي وحزبي مفضوح، تجاوز أزمة النفايات، التي دفعت الشباب للتظاهر والاحتجاج على روائح الصفقات، وما تظهره الحكومة من تعثر ومماطلة في بتّ هذا الملف الحيوي، وكأن وزارة البيئة تنتظر أكلة الجبنة، أو عفواً النفايات، على التوافق على توزيع الحصص والمغانم، لتبت ظروف المناقصات، التي حيّرت الناس: هل هي ظروف، أي مغلفات ورقية، أم هي «الظروف» المحيطة بالتنافسات والمفاوضات الدائرة حول التزامات النفايات؟!

ما يجري في ساحات بيروت، من تنفيذ خطط مبيتة، ليس للإطاحة بالحكومة، آخر المعاقل الدستورية في الجمهورية، وحسب، بل الهدف منه إسقاط النظام الحالي من أساسه، والقفز في المجهول، تحت شعار الإعداد لمؤتمر تأسيسي جديد، ينهي «مرحلة الطائف»، ويطوي صفحة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويُعيد تعويم قواعد العدّ والإحصاء، لتحديد دور الطوائف اللبنانية بما يتناسب مع تعدادها السكاني الحالي!

المفارقة – المهزلة فعلاً، أن الأداة المستخدمة لتحقيق هذا المخطط الخبيث، هي الجهة التي ترفع شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين، والتي تدّعي أنها الأكثر تمثيلاً للمسيحيين.. إلى آخر المعزوفة المعروفة، حيث تكبر الهوّة، يوماً بعد يوم، بين ادعاء مثل هذه الشعارات البرّاقة، والواقع الفعلي على الأرض، بعدما تبين أن مواقف التيار العوني، أدت إلى إضعاف المركز المسيحي الأول في الدولة، عبر تعطيل انتخابات الرئاسة منذ أيار من العام الماضي، كما عطّلت الدور المسيحي في التشريع، عبر تعطيل جلسات مجلس النواب، الذي تتوزع مقاعده مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والتيار نفسه يحاول تعطيل جلسات مجلس الوزراء، الأمر الذي يعني استكمال مواصفات «الدولة الفاشلة»، ودفع البلاد والعباد إلى مهاوي الفوضى القاتلة!

* * *

الرئيس تمام سلام غلّب، في مؤتمره الصحفي أمس، حكمته على مشاعره وانفعالاته، ولم يشأ الخوض في كلام يضع النقاط فوق حروفها الصحيحة، ويكشف الأطراف التي تحاول اللعب ليس بنار الاستقرار وحسب، بل وتهدد ما تبقى من مقومات الوطن والدولة.

وأصبح معروفاً للقاصي والداني من أطراف محلية وأشقاء وأصدقاء، أن رئيس الحكومة ليس متمسكاً برئاسة مجلس الوزراء، التي تحوّلت إلى كرة نار، في زمن سياسة المكايدة والتعطيل والعناد، بل إن وريث البيت الوطني الكبير كان على أهبة الاستقالة في الشهر الماضي، ولكن تمنيات عواصم القرار العربي والدولي بالبقاء في السراي، والاستمرار في تحمّل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الصعبة، دفعته الى البقاء، والتمسّك بسياسة الصبر والاحتواء.

إذاً، الاستقالة ليست واردة مهما اندفع جنرال الرابية في تنفيذ تهديداته بالتصعيد في الشارع، واللجوء إلى أساليب غير متوقعة، وغير مسبوقة، لإحراج الحكومة ورئيسها، لأن مثل هذا القرار الكبير دون مستوى حرتقات التيار العوني، مهما بلغ تصعيده في الشارع، على النحو الذي جرى مساء أمس مع القوى الأمنية، وأدى إلى سقوط العشرات من المصابين في صفوف المدافعين عن الأمن والشرعية والاستقرار!

* * *

ولم تكن مجرّد صدفة، أن يسارع الوزير العوني الياس بو صعب إلى تحميل الوزير نهاد المشنوق مسؤولية المواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين، وذلك في إطار حملة الاستهداف المبرمجة للرموز السياسية التي تعارض توجهات التيار العوني الملتبسة، وتتصدى لمحاولات الهيمنة على مفاصل القرار في الدولة.

ولكن مسارعة وزير الداخلية إلى الإعلان عن إجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤوليات في تلك الليلة السوداء، أبطل مفعول المزايدات العونية، ووضع الأمور في إطارها المؤسساتي القانوني الصحيح، وقطع الطريق على محاولات المصطادين في المياه العكرة.

الواقع أن الأمر المستغرَب في هذه النطقة بالذات، كان مسارعة النائب وليد جنبلاط إلى تحميل وزير الداخلية مسؤولية ما يجري على الأرض، قبل أن يتأكد من الوقائع الفعلية، حيث لم يتردد في سحب كلامه بعدما تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في المواجهات التي حصلت بين قوى الأمن وبعض المتظاهرين.

وساعدت التدابير الأمنية التي طلب الوزير المشنوق من القيادات الأمنية اتخاذها، خاصة على صعيد السماح للمتظاهرين بحرية التعبير تحت سقف القانون، ومن دون التعرّض للأملاك الخاصة والمؤسسات العامة، نقول ساعدت هذه التدابير في تهدئة التوتر على الأرض، والحد من إمكانية الاستغلال الحزبي الرخيص!

* * *

من حق الشباب والصبايا أن يتظاهروا استنكاراً لأزمة النفايات، التي لم توفّر منطقة، ولم تميّز بين طائفة وأخرى.

حق التظاهر وحرية التعبير كفلهما الدستور، وهما في صلب النظام الديمقراطي الذي يتمسك به اللبنانيون، ودفعوا أثماناً باهظة للحفاظ عليه.

والتظاهر ضد مشكلة النفايات، وروائح الصفقات حولها، تستقطب مئات الألوف من اللبنانيين، شيباً وشباباً، الذين طفح معهم الكيل من وقاحة الفساد الذي تسبح في بحره الطبقة السياسية المفلسة، والغارقة في حسابات المصالح والمغانم!

ولكن كل تلك الاعتبارات تتلاشى، الواحدة بعد الأخرى، في خضم التسييس والاستغلال المتعمد لحملة الشباب، وصولاً إلى أهداف انتحارية مشبوهة، ليس أقلها دفع الوطن والمواطنين إلى مغامرات متهورة ومدمرة، مقابل حفنة من الدولارات، وانتقاماً من منصب.. بقي بعيد المنال!