IMLebanon

ترشيح عون من معراب: رقصة تانغو في غياب الشريك

لقاء معراب أدخل الستاتيكو السياسي اللبناني في مرحلة جديدة، أُعيد خلط أوراق الإستحقاق الرئاسي المتعثّر بتحالف شخصيتين من لائحة «الأقوياء الأربعة» التي أُعلنت في بكركي. الفارق بين تأييد ترشيح العماد من معراب ومبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية من قِبَل الرئيس سعد الحريري هو حصر الإتفاق والإعلان عن الترشيح بالمطبخ المسيحي فقط، وفي هذا اختبار لقبول الأطراف المسيحية الأخرى بترشيح العماد عون أو تكرار المشهد الذي شهدناه مع النائب فرنجية.

المرشحان المعلنان حتى اللحظة، العماد عون والنائب فرنجية، رُشحا بعد استحالتين، النائب فرنجية رُشح بعد استحالة مُفترضة، تمّ تجاوزها من قِبَل الرئيس الحريري، وهي ترشيح أقرب المسيحيين إلى الرئيس السوري بشار الأسد الذي تحول بينه وبين الرئيس الحريري سنوات سوداء وملفات أمنية وسياسية، دفع أقطاب من 14 آذار مسلمين ومسيحيين حياتهم ثمناً لها. قفز الرئيس الحريري فوق الرمزية الأسدية للنائب فرنجية وآثر ملء الفراغ الرئاسي. الإستحالة الثانية، التي تمّ تجاوزها من قِبَل الدكتور جعجع هي تبنّي القوات اللبنانية ترشيح من اعتبرته دائماً غطاءً مسيحياً لسلاح خارج عن الدولة يرهب اللبنانيين ويصادر الحياة السياسية، ويدخل لبنان في صراعات إقليمية تقضي على إستقراره. قفز الدكتور جعجع إلى الفريق الآخر لأنّه لم يستطع تقبّل فكرة التعايش مع جمهورية يرأسها سليمان فرنجية.

في النقاط العشر التي أعلنها جعجع في المؤتمر الصحفي المشترك طمأنة لقوى 14 آذار وحلفائها الإقليميين وللوسطيين من خلال التمسك باتفاق الطائف والتزام سياسية خارجية مستقلة، وطمأنة لحزب الله وحلفائه الإقليميين من خلال عدم التطرق إلى مسألة سلاح حزب الله والتدخل في سوريا، واقتصار الإشارة إلى ذلك على ضبط الأوضاع على الحدود اللبنانية – السورية وعدم جعلها مقراً ومنطلقاً للسلاح والمسلحين، بالإضافة إلى التأكيد على دعم الجيش وتمكينه مع سائر القوى الأمنية بهدف بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

الدكتور جعجع قدّم أوراق اعتماد العماد عون أمام الكتل السياسية، بما يراعي عدم إحراق المراكب مع الحلفاء وبما لا يستثير حزب الله. التعابير واللهجة السيادية التي طالما جاهر الدكتور جعجع باستخدامها لشحذ همم الشباب في 14 آذار جاءت خافتة بما يتلاءم مع طبيعة وضرورات الموقف. الكرة أصبحت مجدداً في ملعب حزب الله الذي أكّد دائماً طليعية عون في تراتبية مرشحيه، سواء في بكركي أو في الرابية، الأيام القليلة المقبلة كفيلة بجلاء قبول الحزب ترشيح عون من معراب، وبجدية الحزب في تسهيل الإستحقاق أو خوض الإنتخابات الرئاسية إذا استمر النائب فرنجية في الترشيح، سيما أنّ جاهزية عون المسيحية أصبحت أكثر ملاءة!!!

إنّ ردود فعل الكتل السياسية لن تعلن في غضون الساعات المقبلة وربما ليس في الأيام القليلة القادمة. حزب الله يفضّل أن يحظى عون بالإجماع المحلي والإقليمي وبالتالي تصبح أغلبية الكتل السياسية أو كلها رافعة لهذا الترشيح، مما يخفف من وطأة الدكتور جعجع في تقديم العماد عون كمرشح، وبالتالي يسهّل على الحزب إستيعاب وهضم الترشيح من معراب ويجعل جمهوره يتقبّل الترشيح ويتجاوز الماضي مع القوات الذي حَفِل على مدى سنوات باتهامات متبادلة وتشكيك وتخوين. الأحزاب والشخصيات المسيحية والمستقلّة أعلنت مراراً موقفها السلبي من ترشيح العماد عون. الحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل اللذان سارا بمبادرة ترشيح فرنجية لن ينضما إلى قافلة المؤيدين لترشيح العماد عون، بل سيبدوان أكثر تمسكاً بالتحالفات والتفاهمات مع الأحزاب والشخصيات المسيحية المستقلّة، وسيصرّان على خوض الإنتخابات مهما كانت النتائج وربما يكون الرئيس بري أقرب إلى هذا الموقف أيضاً.

وبالعودة إلى البعد الإقليمي، إنّ المنطق السائد يبدو متجهاً نحو إرساء تفاهمات في كلّ من سوريا ولبنان في ضوء المجريات الميدانية في الإقليم، والإنتخابات الرئاسية في لبنان لا تستطيع الخروج من هذه الدائرة. الطرفان الإقليميان هما عَرابيّ التفاهم الذي لن يتوازن إلا بوجودهما، كلّ منهما بحاجة لوجود الآخر، ولن يقبلا بتفاهمات محليّة تتجاوز مقتضيات الإصطفاف الإقليمي.

ترشيح عون من معراب قفزة في المجهول لن تستطيع إخراج الإستحقاق من البراد الإقليمي……

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات.