الاستحقاق ترجمة لمفاعيل الاتفاق النووي.. و«قوة الدفع الخفية» تسرّع تأليف الحكومة
عون لن يخذل «حزب الله».. وماذا عن الثلث المعطل؟
موعد 22 ت2 غير قابل للتحقق ومقولة «صنع في لبنان» لإيهام الشارع بقوة «الثنائية المسيحية»
بدء مشاورات تأليف الحكومة بزخم يُحاكي الزخم الذي طبع عملية تكليف زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري لرئاسة الحكومة والأصوات الوازنة التي حصل عليها، يشي بأن عملية التأليف لن تشهد ما سبق أن واجهه الحريري من تعقيدات خلال تشكيل الحكومة عام 2009 عقب فوز قوى «الرابع عشر من آذار» بالغالبية النيابية في البرلمان. مناخات التفاؤل بسرعة التأليف تنطلق من أن «قوة الدفع الخفيّة» التي أفضت إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي بوصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، وإلى تسمية الحريري رئيساً مُكلفاً لا تزال مستمرة، على أقله، لإتمام عملية تشكيل الحكومة الأولى للعهد، الذي يحتاج أولاً إلى انطلاقة قوية قادرة على إعطاء البلاد جرعة من الثقة تبدّل في المشهد الداخلي، حيث الأزمات المعيشية والحياتية والاقتصادية في البلاد قد استفحلت، مهددة بانهيار مالي يزعزع الاستقرار الأمني، ذلك أن عرقلة تأليف الحكومة لن تدرج في خانة محاولات إفشال الحريري بل محاولة إفشال العهد. ويحتاج ثانياً إلى تحقيق إنجازات ترتبط بعهده واسمه، وإلى إثبات أنه الرئيس القوي الذي أعاد إحياء موقع الرئاسة الأولى وأعاد إليها بريقها وتألقها. وهو ثالثاً لا يمكنه أن يتعايش، بشخصيته وطباعه، مع فكرة التعطيل ووضع العقبات أمامه. هذا فضلاً عن الاقتناع السائد بأن أهداف الحكومة الأولى محددة، والعناوين المطلوب إنجازها واضحة المعالم، بما لا يستدعي وضع العصي في دواليبها، وفي مقدمها إعادة العمل إلى مؤسسات الدولة بما يُسهم في عودة الحد الأدنى المطلوب من الخدمات الحياتية، وإنجاز قانون الانتخابات النيابية الذي من شأنه أن يُعيد تشكيل السلطة في البلاد. وهو قانون تُسلم به مختلف الأطراف على مبدأ القانون المختلط بين النسبي والأكثري، وإن كانت ثمة تباينات حول عدد الدوائر والنسبة المقررة بين ما هو أكثري ونسبيّ.
وإذا كانت تلك المناخات الإيجابية بسرعة التأليف تتراوح في تحديد الهامش الزمني بين مَن يضرب موعداً متفائلاً لا يتجاوز عيد الاستقلال في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وهو موعد لا يبدو قابلاً للتحقق، وبين مَن يتوقع أن تحمل أعياد الميلاد ورأس السنة معها عيدية التأليف، فإن بازار الحقائب والتمثيل والأحجام سيُرخي بثقله على عملية التأليف، لا سيما وأن الاتجاهات التي رسمها الرئيس المكلف ذهبت في منحى التأكيد على «حكومة وفاق وطني» تشكّل أوسع تمثيل للقوى السياسية التي أعطت غالبية موصوفة في التكليف.
وفي وقت تُحاذر فيه قوى «الثامن من آذار» في طرح مسألة «الثلث المعطل» علانية، وهي التي كانت مطلباً لها مع كل حكومة منذ «اتفاق الدوحة»، فإن المعطيات المتداولة تفيد أن الذهاب إلى الحكومة الثلاثينية ليس هدفه تأمين مشاركة أكبر للكتل السياسية بقدر ما يهدف إلى الاقتراب أكثر من احتمالات توفر «الثلث المعطل»، وهي لا تبدو ممكنة من دون احتساب ضمني للكتلة الوزارية المحسوبة لرئيس الجمهورية، والتي بدا أن ثمة تكريساً لهذا المفهوم في وقت أن «التيار الوطني الحر»، الذي أتى منه الرئيس العتيد، لا يمكن فصله سياسياً عن توجّهات رئيسه، ويشكل تالياً الكتلة الوزارية الداعمة للرئيس والعهد. وفي رأي المراقبين أن تكريس هذا المبدأ مع العهد الراهن من شأنه أن يُظهر صورة التحالف المسيحي – المسيحي بشكل متين، انطلاقاً مما أعلنه رئيس حزب «القوات» سمير جعجع عن اتفاق على أن الحصص متساوية بينه وبين التيار، فاصلاً الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية عن حصة «التيار»، فيما يعتبر متابعون يدورون في فلك «حزب الله» أن الضمانات التي كانت تطلبها قوى «الثامن من آذار» من خلال «الثلث المعطل» لحماية آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء يوفرها اليوم وجود عون في سدّة الرئاسة، ذلك أن الرجل الذي تحالف مع الحزب على مدى أحد عشر عاماً ووقع «وثيقة التفاهم» ومرّ في مراحل سياسية دقيقة شكّلت اختباراً لمدى متانة التحالف، لن يخذل «الحزب» في أي من الملفات أو المواضيع التي يعتبرها أساسية ومصيرية له، ولن ينقلب عليه في المسائل التي يصنفها الحزب مسائل استراتيجية، ذلك أن وصول عون إلى بعبدا، الذي عطل «حزب الله» الرئاسة سنتين ونصف السنة من أجل دفع القوى السياسية الرافضة لهذا الخيار إلى السير به يأساً أو تدجيناً، يُشكّل في نهاية المطاف عنواناً لانتصار خيار «حزب الله» ومَن يمثله إقليمياً في هذا الاستحقاق.
فمقولة «صنع في لبنان» التي تسعى «الثنائية المسيحية» إلى إيهام جمهورها وشارعها بها، عطفاً على مقولة الرئيس المسيحي الأقوى وقدرة الوحدة المسيحية – المسيحية على فرض تصورها على الآخرين، يقابلها اقتناع بأن «قوة الدفع الخفيّة» هي نتيجة «توافق أميركي – إيراني ما» التقط إشاراته الحريري وبنى عليه، وأسهمت فرنسا في تسهيل تمريره سعودياً. ففي زمن الوصاية السورية، كان «الفيتو» على الرئيس أميركياً ويحمل في طياته الموقف السعودي. وهذه قاعدة لا يبدو أنها تغيّرت في زمن تحَكّم «حزب الله» بالقرار اللبناني وسط عجز القوى المناهضة له عن مواجهته أو التأثير على الدور الإقليمي الذي يلعبه من خلال انخراطه بقوة في الحرب السورية وفي الحروب الدائرة في العراق واليمن، وتأثيره على النسيج الاجتماعي في البحرين والكويت، وتجيير هذا التأثير لمصلحة إيران التي تعمل على خوض المعارك بالمباشر وبواسطة أذرعها العسكرية في الجبهات المشتعلة جميعها من أجل تكريس نفوذها.
ويأتي الاستحقاق الرئاسي في هذا الإطار ليشكل الاختبار الأول في ترجمة المفاعيل السياسية للاتفاق النووي الإيراني، وهو اختبار لحسن النوايا سواء الأميركية أو الإيرانية على أبواب الاستحقاق الرئاسي الأميركي، حيث سيكون هذا الاختبار مدار تمحيص الإدارة المقبلة، لمعرفة مدى القدرة على البناء عليه، حين تطل التسويات الكبرى، والتي ثمة اعتقاد بأن أوانها قد يكون اقترب. فاستمرار الحروب لا يمكن أن يطول إلى ما لا نهاية، وإن كان الهامش الزمني ليس على قياس الأسابيع والأشهر بل السنوات، لكنها سنوات ليست عديدة!