IMLebanon

الاعتراض العوني: تماهٍ مع الحالة الكردية أم بحث عن توازن داخل الصيغة؟

جلسة «جسّ النبض»: سلام يكسر المراوحة ويسدد هدفاً في مرمى الأقلية

الاعتراض العوني: تماهٍ مع الحالة الكردية أم بحث عن توازن داخل الصيغة؟

نهاية مرحلة الطائف السوري لن تؤسّس لشراكة بالمفهوم العوني ما لم تُحترم قواعد الديمقراطية والمتغيّرات المتسارعة في الشرق

«ليس من تحتنا تحت كي نخشى السقوط»، تعبير يستخدمه نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في قراءته لحركة رئيس «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون المتنامية تحت شعار «الدفاع عن حقوق المسيحيين»، والتي آلت في الترجمة العملية إلى تعطيل مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب وصولاً إلى مجلس الوزراء، الذي اتسمت تجلياته بفرض بند التعيينات العسكرية بنداً أوّل على جدول أعمال أي جلسة للمجلس، قبل البت في أي بند آخر، الأمر الذي أفضى إلى تعليق التئام الحكومة لنحو ثلاثة أسابيع في مسعى من رئيسها لإفساح المجال أمام المعالجات السياسية للوصول إلى تسوية تُعيد العمل إلى عجلة السلطة التنفيذية المشلولة، والتي بات شللها يُرخي بثقله على الواقع الاقتصادي – الاجتماعي، ويضع البلد برمته أمام خطر الانهيار مع التحذيرات من خسارة لبنان لكثير من المساعدات والقروض الدولية.

بدا واضحاً من مجريات الجلسة الوزارية، أمس، أن الدعوة إلى انعقادها ليست وليدة التوصّل إلى «تسوية ما» بقدر ما هي محاولة «جس نبض» أو «اختبار أوّل» للمسار الذي سيطبع واقع الحكومة في المرحلة المقبلة. وجاء إصرار سلام على خروج الجلسة بقرار يكسر حال المراوحة والتعطيل التي فرضتها اشتراطات التيار العوني، عبر إقرار مرسوم دعم الصادرات الزراعية، رغم اعتراض وزراء التيار والطاشناق وتضامن وزراء حزب الله معه، ليشكل هذا الاختيار، الذي ترصد المكونات السياسية الرافضة لتعطيل الحكومة تداعيات عملية «جس النبض» وما يمكن أن يترتب عليها في قابل الأيام، مع إعلان عون أنه إذا تمّ اعتبار بند التصدير الزراعي مُقراً فهو بمثابة الانفجار.

فالمعركة، من وجهة نظر بعض المنظرين لمنطق عون، ليست معركة تكتيكية لإيصال صهره إلى قيادة الجيش، وحصرها بهذا المنظور يدل أن «تيار المستقبل» ومعه النائب وليد جنبلاط لم يقتنعا بعد بأن الوضع الذي كان سائداً منذ «اتفاق الطائف» وإلى حين خروج القوات السورية قد انتهى، وأنه ما عاد ممكناً القبول بتنفيذ «الطائف السوري» الذي كان قائماً خلال سنوات الوصاية السورية، الأمر الذي يعني أن المطلوب العودة إلى تنفيذ «الطائف اللبناني» بمضمونه وروحيته، والذي ينص على المناصفة والمساواة في الشراكة إسوة ببقية المكونات الأخرى، حيث مدخلها إقرار قانون انتخابات يؤمّن تمثيلاً صحيحاً، ولا سيما على المستوى المسيحي، ليشكّل المنطلق السليم لمجلس نيابي ينتخب رئيساً للجمهورية.

وفي رأي هؤلاء المنظّرين، أن استحقاق تعيين قائد الجيش ليس سوى خطوة في إطار العمل التراكمي في اتجاه استعادة حقوق المسيحيين المسلوبة، الذي أدت المواجهة العامة مع عدم إقرار الحق برئاسة الجمهورية للممثل المسيحي الأوّل إلى تعطيل مجلس النواب واليوم إلى تعطيل مجلس الوزراء، وإن اقتضى الأمر النزول إلى الشارع من أجل الدفع بالأطراف الداخلية إلى الاتفاق على تنفيذ بنود اتفاق الطائف كاملة.

تلك القراءة لحركة عون تقود العارفين بالرجل إلى التأكيد أنه ماضٍ حتى النهاية في معركته، وأنه رسم من خلال حواره مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع و«ورقة إعلان النيّات» ثلاث مسلمات استراتيجية ما عاد ممكناً لأي فريق تخطيها، تتمثل بتأكيد المناصفة، وانتخاب رئيس للجمهورية ممثلاً لمكونه، وإقرار اللامركزية الإدارية مرفقة بنوع من لا مركزية مالية.

أما موازين القوى وقوة الدفع التي يمكن لعون الرهان عليها، من أجل تحقيق ذلك، فإنها تنطلق، في رأي هؤلاء، من التغييرات التي تشهدها المنطقة، بدءاً من انهيار المنظومة التي آلت إلى إرساء «الطائف السوري» وصولاً إلى إعادة تشكّل واقع جديد في المنطقة من العراق إلى سوريا، والذي تشكّل الحالة الكردية أوّل إفرازاته، سواء على مستوى الحكم الذاتي في العراق أو ذاك الذي يتكوّن في سوريا.

إزاء هذه الرؤية لطبيعة المعركة التي يخوضها عون، ومعه بعض المكونات المسيحية، على ضوء ما يعتبرونه من متغيرات داخلية وإقليمية، فإن ثمة انطباعاً لدى سياسيين على المقلب الآخر، من أن يكون عون يخطئ في قراءة التحولات الحاصلة، والتحديات التي تواجه المكونات الطائفية وخصوصاً الاقليات في المنطقة، ولا سيما أن كثيراً من الأحداث أظهرت أن الدول الكبرى لا تعير الأقليات أي اهتمام إلا إذا كانت تشكّل جزءاً من مشروعها.

وإذا كانت الحالة الكردية النموذج الذي يبني عليه المنظرون لحركة عون نظرياتهم وحساباتهم الاستراتيجية، فإن السؤال الأصح هو: هل أن واقع مسيحيي الشرق اليوم في وجدان وحسابات الدول الكبرى يحظى بالأهمية التي يحظى بها الأكراد؟

بدا عون، وهو يُعلِن عن الاستعداد للذهاب إلى خيار الانفجار، مُربكاً، ومتربصاً بالمخاطر. فليس هو وحده، في رأي خصومه، من يمثل المسيحيين، كما ليس في إمكان «حزب الله»، المنهك في معارك القلمون، والذي يستعد لجبهة الزبداني قادر على توفير الغطاء البعيد المدى له، وليس أكيداً أن سمير جعجع الذي يرتبط به بـ «ورقة إعلان النيّات»، يمكنه السير باتجاه لن يقبل به الشريك المسلم ضمن فريق 14 آذار.

ولكن السؤال الأخطر: هل تتحمل الساحة المسيحية مغامرة جديدة لعون وفريقه، انفجاراً أو تفجيراً أو اعتراضاً أو شغباً بالشارع؟