IMLebanon

عون يفتتح تحرّكه العربي بعواصم إتفاق الدوحة

في اول تحرّك له خارج البلاد، يزور الرئيس ميشال عون الاثنين السعودية ثم قطر، اولى محطات جولة عربية تقوده في ما بعد الى مصر. ثلاث عواصم عربية حضرت الى لبنان في مهمات مختلفة، عشية انتخاب الرئيس وغداته

بحضورها الى بيروت، تكاد تكون مصر والسعودية وقطر وحدها من بين سائر الدول العربية كسرت جدار العزلة الذي جبهه لبنان في السنوات الثلاث الاخيرة، قبل الشغور الرئاسي وابانه، لأسباب شتى. ابرزها الاتهامات التي ساقتها المملكة ضد حزب الله ونعته بتنظيم ارهابي مذ انخرط في الحرب السورية، ناهيك بموقفها السلبي ايضاً من ترشيح الرئيس ميشال عون الذي اضحى عقبة في طريق الاستحقاق الى ان تغيّرت المواقف كلها من حوله، من غير ان يتغيّر هو.

لحقت عواقب الامتعاض السعودي حينذاك بحكومة الرئيس تمام سلام حتى.

على ان موقف الرياض لا يتطابق بالضرورة مع موقفي قطر والقاهرة حيال الانتخابات الرئاسية، وان بدا التطابق مع الدوحة في الشق المتعلق بالحزب. جارت دول مجلس التعاون الخليجي السعودية في ذينك الموقفين من حزب الله والمرشح الرئاسي، وشاع امكان اتخاذ عقوبات في حق اللبنانيين العاملين في الدول تلك، مترافقاً مع قيود على الاستثمارات المالية في لبنان، ناهيك بحظر سفر الخليجيين الى لبنان بذرائع مختلفة، كان ابرزها المعلن الاسباب الامنية. بيد ان ابرز الاشارات السلبية تجميد الهبة السعودية بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني. على نحو كهذا، تأتي المحطة الاولى في زيارتي الرياض والدوحة في سياق كسر القطيعة تلك من الداخل اللبناني الى الخارج العربي في محادثات رسمية مباشرة يجريها الرئيس اللبناني مع نظرائه، في ملفات الهبة العسكرية واعادة الثقة الى علاقات لبنان بهما، وبث الروح في الدعم الاقتصادي والاستثمار.

قبل الرياض والدوحة، كانت القاهرة سبّاقة الى كسر القطيعة من الخارج الى الداخل منذ ما قبل انتخاب عون رئيساً، حينما زار وزير خارجيتها سامح شكري بيروت في 15 آب المنصرم والتقى طوال ثلاثة ايام قيادات لبنانية من بينها المرشح الرئاسي. لم يكن قد حضر الى لبنان حتى ذلك الوقت اي موفد عربي، وبدا هذا البلد متروكاً في حمأة الخلافات الداخلية على الاستحقاق الرئاسي والانقسام الذي اطال امد الشغور، ولم يكن الرئيس سعد الحريري قرر اخيراً الانحياز الى خيار عون. ما اشاع وجود فيتو عربي ــــ لا سعودي فحسب ــــ على المرشح الرئيسي يمنع انتخابه بسبب تحالفه مع حزب الله على انه مرشحه الوحيد وفي خضم النزاع الاقليمي مع ايران.

يومذاك اطلق الوزير المصري عبارة استعارها منه في ما بعد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان حينما زار لبنان في وقت متأخر في 28 تشرين الاول، ثلاثة ايام قبل انتخاب عون وكان الخيار النهائي استقر عليه، عاكساً ــــ في سياق جولته على القيادات اللبنانية ــــ تخلي المملكة عن الفيتو على انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح.

في آب قال الوزير المصري ان حكومته تؤيد مَن يتفق عليه اللبنانيون ــــ ولم يكن معروفاً بعد الرئيس ــــ ساعياً الى تنشيط الجهود. الا انه بدّد في مقابلته عون اي اعتقاد بوجود تحفظ مصري عنه. سرعان ما اعاد السبهان العبارة نفسها في تشرين الاول بعدما اضحى انتخاب عون مسألة ساعات قليلة. لكن المتقدّم في الموقف المصري حينذاك تأكيد شكري علناً، وخصوصاً بعد مقابلته وزير الخارجية جبران باسيل، ان حكومته لا تمانع في اي مرشح للرئاسة ولا اعتراض لها على احد. على طرف نقيض من الفيتو السعودي.

بيد ان جانباً من زيارة شكري في ذلك الحين تبديد الانطباع الذي صار الى تناقله من ان القاهرة تؤيد انتخاب النائب سليمان فرنجية بعدما دعم الحريري ترشيحه لاشهر خلت، في تشرين الثاني 2015. اذ ذاك ابلغ الوزير المصري الى عون حينما التقيا ان القاهرة تقف وراء المرشح الذي يختاره اللبنانيون بلا فيتوات مسبقة.

واقع الامر ان مصر وقطر والسعودية مثلت الهرم الذي صنع اتفاق الدوحة عام 2008: الاولى سوّقت مع فرنسا خيار العماد ميشال سليمان رئيساً منذ آب 2007 في اجتماعات باريس قبل تكريسه لاحقاً، الثانية استضافت الزعماء وانجزت التسوية في ما بينهم ببنودها الاربعة، الثالثة شكلت غطاءها السياسي. صمدت التسوية تلك ست سنوات متماسكة ومتوازنة، هي عمر ولاية سليمان، الى ان انهارت مع الشغور الرئاسي. مذ مذاك بدا من الطبيعي ان تعنى العواصم الثلاث بالاستحقاق الرئاسي التالي.

بعد انتخاب الرئيس في 31 تشرين الاول كرت السبحة. اول الزائرين شكري مجدداً في 16 تشرين الثاني ناقلاً دعوة رسمية خطية لزيارة القاهرة باسم الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي كان وجهها الى عون للمرة الاولى شفوياً بعيد انتخابه في ذلك اليوم في مكالمة هاتفية اجراها به. من بعد الوزير المصري اتى وفد سعودي مهنئاً في 21 تشرين الثاني ترأسه امير مكة خالد الفيصل باسم الملك سلمان بن عبدالعزيز موجهاً بدوره الى عون دعوة رسمية، ثم حضر بعد يومين في 23 تشرين الثاني وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ناقلاً هو الآخر بعد التهنئة دعوة رسمية لزيارة الامارة باسم اميرها تميم بن حمد.

بذلك تقاطَعَ كسر القطيعة اللبنانية ــــ العربية تدريجاً منذ ما قبل انتخاب الرئيس، واعاد مد الجسور عشيتها الى صباح اليوم التالي في ضوء تسوية داخلية متوازنة هي، بحسب مراجع ديبلوماسية، بين فريقين ينتمي كل منهما الى محور اقليمي يأخذ في الاعتبار ان المحور الآخر موجود على الطرف الآخر منها. تلاقى الفريقان المحليان الاكثر تأثيراً وهما حزب الله وتيار المستقبل على الحيثية المسيحية الاكثر تمثيلاً ما يتيح اذ ذاك الخلطة الطبيعية التي هي انتخاب عون رئيساً للجمهورية: حل سياسي لا يؤدي الى انتصار فريق وانكسار آخر، بل معادلة تبدو في الظاهر على الاقل متكافئة بين رئيس للجمهورية ممثلاً فريقاً، ورئيس للحكومة ممثلاً الفريق المقابل.