Site icon IMLebanon

عون متفائل وفرنجية قلق.. من الحريري

يعيش العونيون أجواء تفاؤلية حذرة على مستوى الاستحقاق الرئاسي تستند الى أنّ الرئيس سعد الحريري آتٍ الى بيروت لحضور جلسة الانتخابات الرئاسية المقرَّرة في 28 الجاري لينتخب ونواب كتلته وحلفاءها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية.

ويقول العونيون إنّ الحريري إذا لم ينتخب عون، فإنّ الأخير سيبني على الشيء مقتضاه ويذهب الى ذكرى 13 تشرين الأول بخطاب «يقول فيه كلّ شيء»، بحيث إنه يمكن أن يعلن خطواتٍ تصعيدية متدرّجة منها الاستقالة من الحكومة والاستقالة من مجلس النواب.

والعارفون بمواقف عون يقولون إنّ الرجلَ وصل الى مرحلة قرّر أن يلعب فيها كلّ أوراقه علّه ينجح في الوصول الى رئاسة الجمهورية، معوِّلاً على تبدّلٍ مفاجئ في مواقف المعترضين أو المعارضين لترشيحه في الداخل والخارج، على رغم أنّ كثيراً من القوى والجهات تقرأ في الواقع السياسي ما يشير الى أنّ حظوظه بالفوز ليست كبيرة، والبعض يقول ضئيلة جداً. ولكنّ العارفين يدعون الى انتظار ما سيفضي اليه اللقاء المرتقب بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

وفي مقابل هذا التفاؤل العوني الحذر، يبرز قلقٌ في أوساط تيار «المردة»، ناجم من نقزة «مردية» من الحريري وشكوك في أن يكون قد بات لديه مرشح آخر يرغب في تبنّيه، والتخلّي عن مبادرته التي رشح فيها زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.

وتعتقد أوساط مسيحية بارزة معنية بالإستحقاق الرئاسي أنّ حراك عون الرئاسي «لا يرتكز على حقائق ثابتة وإنما على تمنيات، بل على وعود مبنيّة على فكرة واحدة هي أنّ الحريري يترك اللعبة مفتوحة مع الجميع، فهو لم يقل لعون «كلا»، ومن المؤكد أنه لم يقل له «نعم»، ولكنّ عون يعتبر ذلك من قبيل الوعد، وإنّ الحريري بعدم قوله «كلا» ترك الباب مفتوحاً على كلّ الاحتمالات، ولذا يبني العونيون على هذه الـ»كلا» الوعود والتواريخ تلو التواريخ».

وفي ترجمة لهذه المعطيات على أرض الواقع تقول هذه الاوساط المسيحية أنّ عون إذا كان يريد أن يصبح رئيساً للجمهورية عليه أن يكسب ودّ المسلمين لا أن ينتقدهم أو يستفزهم، فما يعلنه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل هو عينة لما سيكون عليه نمط الحكم إذا انتخب عون رئيساً.

لكنّ البعض يقول إنّ باسيل ليس مغامراً، وإنما يتصرّف عن سابق تصوّر وتصميم ويدرك تماماً أنّ فرص عون في الرئاسة ضيئلة، لا بل ربما معدومة، لأنّ عون قد ذهب بعيداً في توقعاته المتفائلة، فالمملكة العربية السعودية وغالبية دول الاقليم لا تؤيّده، فضلاً عن أنه لم يظهر بعد أنّ له مكاناً ما في التسويات التي يعدّها المجتمع الدولي لازمات المنطقة، بل إنّ ما يرشح يدلّ على أنّ هناك «فيتو» دولياً عليه نظراً لثوابته في التعامل مع الملفات الاقليمية الحساسة ذات الانعكاس المحلّي. وانطلاقاً من هذه المعطيات ربما يكون باسيل قد اتخذ قراراً بالعمل على تمتين موقعه الخاص متسلّحاً بترشيح عون ليحقق الأهداف الآتية:

أولاً: تقوية عصبه الحزبي داخل «التيار الوطني الحر»، خصوصاً مع اتساع رقعة المعارضة ضده التي أحدثت موقعاً الكترونياً لها على شبكة الانترنت باسم «التيار الوطني… حر» .

ثانياً: القول لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع «قف عند حدك ولا تفكر بوراثة «التيار» لأنني أصبحت قائداً مسيحياً بدرجة أولى ولستُ وزيراً للتيار».

ثالثاً: التحضير للانتخابات النيابية بحيث يخوضها بـ»بروفايل» قائد مسيحي ويتحالف الند للند مع جعجع الطامح لوراثة عون، ذلك أنّ ما يقوم به باسيل لا يصبّ على الإطلاق في سياق ايصال عون الى رئاسة الجمهورية وإنما يسايره، فإن كان عون يدرك ذلك فتلك مصيبة وإن كان لا يدرك فالمصيبة اعظم.

وفي هذه الحال، تقول الاوساط المسيحية المعنيّة بالاستحقاق الرئاسي إنّ الرئاسة «اصبحت في خبر كان» عند العونيين وإنّ الاستحقاق الرئاسي بات امام خيار جدي اسمه سليمان فرنجية وخيار مرشح ثالث اسمه «X» (ربما يكون المرشح التوافقي)، ولكنّ الانتقال من مرحلة ترشيح عون الى الخيار الآخر تستدعي «حدثاً ما أو قراراً دولياً ما يستتبع الوضع السوري».

على أنّ النقطة المركزية في هذا المجال هي أنّ كلّ التحركات التي سيُقدِم عليها «التيار الوطني الحر» ومنها 13 تشرين الأول والحركة في الشارع ستكون في خدمة ما يسمّيه خصوم وزير الخارجية «المشروع الباسيلي» وليس في خدمة «المشروع العوني»، وهذا ما يفسر عدم رغبة «القوات اللبنانية» في النزول الى الشارع معه

ولذلك يبدو الوضع العام امام مرحلة انتقالية، الشارع السنّي يعتبر وصول عون هزيمة له، وفعالية الرئيس فؤاد السنيورة على الارض في معارضة عون هي فعالية على طريقة «زنغا- زنغا» الليبية، وبالتالي فإنّ عون إذا تعرّض للسنّة كأنه تعرّض للشيعة، لأنّ حزب الله لا يهوى التفرقة المذهبية، وكذلك لا يهوى صورة الانقسام المسيحي ـ المسلم وكذلك لا يهوى الدكاكين الطائفية.

وترى الاوساط المسيحية البارزة نفسها أنّ الارتكاز العوني على ضعف الحريري لإرغامه على الذهاب الى انتخاب عون هو ارتكاز في غير محلّه لسبب هو: مَن قال إنّ الاجندة السعودية تسير على هوى وضع الحريري الخاص خصوصاً في ضوء اشتداد التباعد السعودي – الإيراني أضف الى ذلك أنّ السعودي إذا اراد أن يقدّم تنازلاً في لبنان فإنه يعطيه للادارة الاميركية الجديدة وليس لسواها.

واكثر من ذلك، تضيف هذه الإوساط، إنّ القول إنّ السعودي قد «استغنى» عن سنّة لبنان او بات يعتبر لبنان «ساقطاً» في يد المحور الآخر هو قول في غير محلّه لسبب أنّ التوازن الطائفي والمذهبي في لبنان لا يتأثر ابداً بالمحيط الاقليمي، خصوصاً على المستوى السنّي – الشيعي، وأنّ الوحيدين الذين يتأثرون بما يجري في الاقليم هم المسيحيون، وهذا ما يتطلّب وعياً مسيحياً لكي يكون المسيحيون شركاء في أيّ حلٍّ آت، وذلك انطلاقاً من الطاولة الرباعية التي انعقدت في بكركي وأيّ خيار خارج هذه الطاولة هو دخول المسيحيين مجدداً في وضع «الملحق» في السياسة كما حصل عام 1989 الذي افضى الى إخراج المسيحيين من القرار السياسي بسبب عدم تماهيهم مع متطلبات تلك المرحلة.

وهنا تكمن اهمية تلقّف مبادرة الحريري الداعمة لترشيح فرنجية في حال انتفت حظوظ عون مثلما هو ظاهر حتى الآن، لأنّ الدعم الذي ناله فرنجية ما زال هو هو فوصوله الى الرئاسة «يشكل مكسباً للجميع بلا استثناء سواءٌ على مستوى حزب الله كحليف أو على مستوى داعميه من حركة «أمل» الى تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي وغيره، اما على المستوى المسيحي فتكون هناك نقلة من موقع «الرئيس الموظف» الى موقع «الرئيس الذي يعكس وجدانه».