Site icon IMLebanon

عون أو لا رئيس

يمرّ لبنان في أسبوعين حاسمين قبل الجلسة ال 46 لانتخاب رئيس جمهورية البلاد والمقرّرة يوم الإثنين في 31 تشرين الأول الجاري، وسط حديث البعض عن أنّ «كلمة السرّ قد وصلت»، على ما غرّد رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على «تويتر» (والتي فسّرها البعض على أنّه يقصد بها مدينة حلب وليس رئاسة الجمهورية)، وإعلان بعض نوّاب «تكتّل التغيير والإصلاح» عن أنّهم لا يزالون في انتظار دعم ترشيح رئيس «تيّار المستقبل» النائب سعد الحريري العماد عون للرئاسة علنياً ورسمياً، فيكون بذلك قد حلّ أزمة الشغور الرئاسي القائمة منذ سنتين وخمسة أشهر.

ولأنّ «الشيطان يكمن في التفاصيل» من جهة، وساعات ما قبل الحسم تحمل مفاجآت الربع ساعة الأخيرة من جهة ثانية، تخشى أوساط ديبلوماسية أجنبية حصول ما ليس في الحسبان، إذ ليست متأكّدة حتى الساعة، وبحسب معلوماتها، أنّ انتخاب الرئيس سيحصل في الجلسة المقبلة للإنتخاب، وإن كانت «الطبخة قد استوت» بالنسبة لبعض الأطراف في البلاد.

رغم ذلك تبدي تفاؤلاً لدى رؤيتها حماسة المسؤولين والقادة اللبنانيين، بأنّ انتخاب الرئيس، وإن لم يحصل في الجلسة المقبلة، إلا أنّه قد يكون قريباً إذا ما تمّت التسويات الدولية والإقليمية وانعكست إيجاباً على الداخل اللبناني. فالتفاهمات تحصل اليوم بالنسبة لأزمتي اليمن وسوريا في الإجتماعات الدولية، كما في مجلس الأمن الدولي، غير أنّها لا تزال تصطدم ببعض العراقيل.

وفي الوقت نفسه، تخشى الأوساط بأن يبدّل بعض الأطراف في الداخل موقفهم إذا ما أيّد الحريري انتخاب الجنرال عون، مثل «حزب الله» الذي دعم، من وجهة نظرها، ترشيح عون، كما دعم ترشيح رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية. فحزب الله، على ما تقول، يهمّه وصول المرشح الذي يعطيه ضمانات أكثر، ويبقي السلاح في يده لمدّة أطول، لا الذي يوزّع الحصص على جميع الأفرقاء، ويُحاسب ويُعاقب. ولهذا فإذا لم يدع الحزب كتلته الى انتخاب عون، فإنّ الأمور ستعود الى نقطة الصفر.

أمّا عبارة «الله يستر» التي أرفقها جنبلاط بوصول كلمة السرّ، فلعلّها تعنيه وحده أو تعبّر عن هواجسه، على ما ذكرت الأوساط نفسها، فقد يكون يخشى شخصياً من وصول العماد عون والحريري الى رئاستي الجمهورية والحكومة، الأمر الذي يضع علامة إستفهام أيضاً حول إذا ما كان سيرشّحهما أم لا لهذين الموقعين.

كذلك فإنّ الموقف الذي أبلغه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لحزب الله – والمعروف سلفاً- بأنّه «مش ماشي بعون وما حدا يجرّب معي»، قد لا يؤثّر على عدد الأصوات التي من الممكن أن يحرزها العماد عون إذا ما اتفق حوله «حزب الله» و«تيّار المستقبل» وكتلة جنبلاط وسواهم، إلا أنّه، بحسب الأوساط، قد يؤثّر سلباً على موضوع الإستحقاق الرئاسي، كما بإمكان برّي تعطيل النصاب القانوني إذا ما قرّر ليس فقط عدم انتخاب عون، وانتخاب فرنجية بدلاً منه، بل عرقلة وصول الجنرال الى قصر بعبدا.

علماً أنّ برّي تفاهم مع عون، على موضوع النفط والغاز الذي يملكه لبنان في المنطقة البحرية الإقتصادية الخالصة من دون أن ينتظر موافقة أي جهة معنية أخرى على هذا الملف، الأمر الذي يثير الريبة أيضاً بأنّ الأمور تصبّ في المصالح الشخصية دون مصلحة الوطن، وبأنّ موضوع تقديم التنازلات من أجل المصلحة العليا لا يزال بعيداً عن البعض.

كذلك فإنّ السعودية لا تزال غير راضية عن وصول الجنرال عون الى القصر الرئاسي، على ما ترى الاوساط، وستعمل بكلّ قواها على منعه من الوصول، بواسطة حلفائها في لبنان، حتى ولو أعلن الحريري دعمه له، لأنّه على ما يبدو يُغرّد خارج سرب المملكة، ويقوم بما يراه هو مناسباً، الأمر الذي يتطلّب معالجة في الأيام المقبلة.

أمّا الدول الأوروبية فهي في طور انتظار تبلور التفاهمات الحاصلة على صعيد المنطقة ككلّ، على ما أضافت الاوساط، وبالطبع هي تبدي اهتمامها بالتحرّكات السياسية الحاصلة أخيراً في لبنان، كما بالتظاهرة الشعبية التي قام بها «التيار الوطني الحرّ» يوم الأحد الفائت، في الذكرى ال 26 ل 13 تشرين الأول، تأييداً لزعيمه وقائده للوصول الى بيت الشعب بهدف تطبيق الميثاق. ولعلّ هذا الأمر هو الذي يُخيف الأطراف المعارضة على وصول الجنرال الى قصر بعبدا، إذ أنّ التطبيق الصحيح للميثاق الذي سينتهجه كرئيس لن يبقي أي شخص جالسا في منصبه منذ عقود أو سنوات مكانه.

هذا ومع إعلان النائب فرنجية أنّه «مستمرّ في ترشيحه»، فإنّ جلسة 31 تشرين الأول الجاري إن اكتمل فيها النصاب، ستشهد معركة شريفة بين الجنرال وفرنجية. علماً أنّه لن يكون فيها سوى عون رئيساً إذا حصل الإنتخاب، وإلا فلا رئيس للبنان في المدى المنظور، على ما يرى بعض المراقبين السياسيين، خصوصاً وأنّ الوقت ليس ملائماً لترشيح آخرين أو دعم ترشيحهم من قبل جميع الأطراف السياسية.

وإذا ما انتهت جلسة الإنتخاب المقبلة كباقي سابقاتها، بعدم انتخاب الرئيس، فإنّ الأمر يمكن أن يمتدّ الى الجلسة التالية حيث سيسمح الوقت بعقد المزيد من التفاهمات السياسية، كما بانعكاس التوافقات الدولية والإقليمية عليها، على ما ذكرت الأوساط الديبلوماسية. فلا شيء ينتهي بعد الجلسة ال 46، حتى ولو لم يُنتخب الرئيس، في حال بقيت المشاورات قائمة بين الأطراف المعنيين.

غير أنّ المراقبين يجدون بأنّ تأجيل انتخاب الرئيس مرة أخرى، وعدم التوافق على الجنرال عون، سيُدخل البلاد في المزيد من تردّي الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية فيها، وسيُبقي حكومة الرئيس تمّام سلام الحالية غير المتوافقة تراوح مكانها بالنسبة لحلّ المشاكل والملفات المعيشية والإجتماعية للمواطنين، بل سيتفاقم التأزّم السياسي فيها، ولا أحد يدري إذا ما كان قد يصل الى الإنفجار.

ومن هنا، فالمطلوب الإستفادة من هذين الأسبوعين اللذين يسبقان جلسة الإنتخاب للبحث في كلّ المعوقات التي قد تحول دون حصول عملية الإنتخاب، على ما ذكرت الأوساط، خصوصاً وأنّه سيتخلّلها زيارات لبعض موفدي دول الخارج للبحث في ما آلت اليه الأوضاع بالنسبة للإستحقاق الرئاسي. فإزالة العراقيل يجب أن تتمّ قبل موعد الإنتخاب، وإلا ستكون الجلسة المقبلة شبيهة بسابقاتها التي خرج منها النوّاب من دون أن ينتخبوا.

وأشارت الى أنّ دول الخارج لا تزال تصرّ على تحييد لبنان عن الصراعات الحاصلة في المنطقة، وبالتالي تحذّر من وقوع أي محاولة تفجير فيه لتغيير الواقع المجمّد، لأنّ أي انفجار لن يخدم الوضع الداخلي، ولا وضع المنطقة المشتعل أساساً ولا يدري المجتمع الدولي كيف يطفىء نيرانه إن في اليمن أو في سوريا. فلا تزال المحادثات السياسية تتعثّر بالنسبة للأزمتين، ولا مجال للدخول في أزمة عسكرية ثالثة في لبنان، لأنّ الجميع بغنى عنها، لا سيما في المرحلة الراهنة.

ولهذا دعت الأوساط ذاتها جميع الأطراف للتهدئة في لبنان، لأنّ التفاهمات والمحادثات تتطلّب الكثير من الهدوء والرصانة، خصوصاً أمام استحقاق رئاسي شاغر منذ فترة طويلة بسبب الخلافات السياسية، مشدّدة على أنّ انتخاب الرئيس قد يحلّ الخلافات القائمة في البلد تباعاً لا سيما إذا لم يُظهر أي طرف تمسّكه بمصالحه الخاصة بعيداً عن مصلحة البلاد التي يجب أخدها بالإعتبار في هذه الفترة قبل أي اعتبارات أخرى تلافياً لضياع البلد ووصوله الى حافة الإنهيار.